13 سبتمبر 2025

تسجيل

انجز قبل أن تأتيك الساعة 25

23 أغسطس 2023

يحكى أنّ.. فلاحاً عجوزاً حمل زوجته المريضة في المقعد الخلفي من العربة التي يجرها حصان هزيل، حملها إلى المدينة البعيدة لعلاجها، وفي الطريق الطويل، بدأ الرجل يتحدث، يفضفض.. كأنما يناجي نفسه، ولكنه في الوقت نفسه يواسي زوجته المريضة التي عاشت معه طوال أربعين عاما في شقاء وبؤس ومعاناة تكد وتكدح، تساعده في الحقل، وتتحمل وحدها أعباء البيت، الآن أحس أنه كان قاسياً معها طوال السنوات الماضية، وأن عليه الآن أن يعاملها بلطف ولين، وأن يُسمعها الكلمات الطيبة، قال لها: إنه ظلمها، وإن الحياة أيضا ظلمتها، لأنه لم يجد الوقت في حياته اليومية ليقول لها كلمة طيبة حلوة وعذبة، أو يقدم لها ابتسامة صافية رقيقة كالماء أو يعطيها لحظة حنان. الوعد الصادق وظل الرجل يتحدث بحزن وأسى، طوال الطريق والكلمات تحفر لها في النفس البشرية مجرى كما يحفر الماء المتساقط على الصخر.. خطوطا غائرة، ليعوضها ـ بالكلمات ـ عما فقدته خلال الأربعين عاما الماضية من الحب والحنان ودفء الحياة الزوجية وأخذ يقدم لها الوعود بأنه سوف يحقق لها كل ما تريده وتتمناه في بقية عمرها، وعندما وصل المدينة، نزل من المقعد الأمامي ليحملها من المقعد الخلفي بين ذراعيه لأول مرة في حياته إلى الطبيب ولكن وجدها قد فارقت الحياة.. كانت جثة باردة، ماتت بالطريق، ماتت قبل أن تسمع حديثه العذب الشجي، وإلى هنا تتوقف قصة الألم، التي كتبها أنطون تشيخوف الروائي القصصي الروسي المعروف ليتركنا نحن مثل الفلاح العجوز الذي كان يناجي نفسه ولكن بعد فوات الأوان. ننجز قبل فوات الأوان ما نستفيده من هذه القصة أن الكلمات لم تعد مجدية الآن، فقد فقدت مغزاها، نحن لا نعرف قيمة بعضنا إلا في النهايات، أن تقدم وردة في وقتها خيرٌ من أن تقدم كل ما تملك بعد فوات الأوان، أن تقول كلمة جميلة في الوقت المناسب خير من أن تكتب قصيدة بعد أن تختفي المشاعر، لا جدوى من أشياء تأتي متأخّرة عن وقتها.. اليوم به 24 ساعة، ولكن هناك من لا يعالج خطأه إلا عند الساعة 25!!.. يعني في الزمن بدل الضائع. افرح لأنك على قيد الحياة رغم كل الأبواب الموصدة، لم ينته الأمل، اعمل الآن، ما دام لديك عرق ينبض بالحياة، راجع تقصيرك وذنوبك وتفريطك في حقوق كل الناس عليك قبل فوات الأوان، فالشعور بالرضا والسعادة هو أمر بيدك أنت لا بيد عداد الأيام، لذلك يجب أن ننتهز الفرصة، ابدأ بحفظ القرآن لأنك في قمة شبابك واجتماع قدراتك.. حافظ على السنن الراتبة.. صم ثلاثة أيام في الشهر، اجعل لك خلوة في جوف الليل بربك.. ضع لك بصمة في دروب الخير ليبقى اسمك.. واترك أثرا ليحيي ذكرك، لا شيء يستحق الحزن والندم في حياتك، سوى تقصيرك في جنب الله، افرح لأنك بقيت على قيد الحياة يومًا جديداً؛ ففي هذا اليوم ستقيم صلوات وتزرع حسنات، وتقدم صدقات، وتساعد الآخرين فأنت الرابح الفائز، فاغتنم كل دقيقة.. فإنها لن تعود. كسرة أخيرة الحياة أنفاس معدودة تنقطع بالموت في وقت ربما لا يكون في الحسبان، فيندم المرء على ضياع العمر فيما لا ينفع ولا يجديه ذلك الندم شيئاً، فالفرصة إذا لم تُنتهز فهي غُصة، قال خالد بن معدان: إذ فُتح لأحدكم باب خير فليسرع إليه فإنه لا يدري متى يغلق عنه، فاغتنم كما وصانا قدوتنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم، اغتنم خمس فرص قبل فواتها وأولى تلك الفرص أن تغتنم شبابك قبل هرمك، أن تغتنم هذا القدر من العمر فيما ينفعك في دينك ودنياك ولا تضيعه في اللهو واللعب والشهوات، إن الشباب هو زمن العمل الجاد لأنه فترة قوة بين ضعفين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، والشباب ليس بالعمر ولكن هو وقت القدرة على الطاعة على تمامها، والشباب ضيف سريع الرحيل فإن لم يغتنمه العاقل تقطعت نفسه بعده حسرات.