15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحياة الآخرة

23 أغسطس 2022

في الحياة الأخيرة، طريقان، إما نعيم دائم أو جحيم مقيم، والخيار للإنسان، وفي حياة النعيم، حياة لم نحلم بها من قبل ولا تستطيع عقولنا أن تتصور جمالها، سيكون فيها كل ما نتمناه وأردناه في الحياة الدنيا من ماديات ومعنويات. بل أكثر من ذلك وأكبر وأجمل وأفضل. الحياة الآخرة، لا مرض فيها ولا نعاس ولا حسد ولا كره ولا غرور ولا كبر ولا غضب ولا تعب ولا اجهاد ولا عتب ولا نسيان ولا هم ولا حزن ولا قلب مفطور ولا طرف مبتور، ولا عائلة جاحدة ولا صداقة بائدة. في الحياة الأخيرة، راحة لا يسبقها ولا يليها ألم، عافية بلا مرض، سعادة غير شرطية. جميع أحبابك حولك. وكلكم سعداء وفي أجمل وأبهى حلة بلا مشاكل ولا منغصات ولا عواقب ولا اختبارات صداقة وقرابة. كلكم أنتم وعلى طبيعتكم ولكن أحسن وأفضل حالاً! الحياة الفعلية التي أردنا أن نعيشها في الدنيا سنعيشها في الحياة الآخرة، وأغلبنا لم يكن يعرف بأن هذه هي الحياة التي يريد أن يعيشها. فهناك من فكر بأنواع الأموال التي ستكون تحت يده في الحياة الآخرة. وهناك من فكر بألذ الثمار التي سيأكلها والأنهار التي سيشرب منها. وهناك من فكر باللقاء الذي سيجمعه مع والده الذي توفي صغيراً، أو حبيبه الذي فارقه غصباً عنه في الدنيا. ولكن هل فكرنا ملياً، باللقاء الأهم على الإطلاق؟ لقائنا بربنا الذي أحبنا من قبل أن نولد بأزمان طويلة حباً أعمق من حب والدتنا لنا؟! هل فكرنا بالمشاعر الجميلة التي ستجتاحنا؟ هل فكرنا بالسعادة التي ستعترينا والراحة التي ستغمرنا؟ هل فكرنا كيف أن هذا اللقاء سيهون علينا كل ما مضى؟ هل فكرنا كيف أنها ستكون بداية طريق الراحة الأبدية؟ وأن هذا اللقاء سيكون تأكيداً على وعد الله الذي قال في سورة البقرة من كتابه الكريم: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(62). ينتهي الخوف والحزن في الحياة الآخرة عند من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً في الحياة الدنيا. تنتهي جميع المشاعر والأحاسيس السلبية، ويثمر صبر الانسان في الدنيا على الآلام والتعب والمشقة، ويكافئه الله على جهده واجتهاده في الحياة الآخرة. فاللهم اجعلنا في الحياة الآخرة من أهل الجنة الذي قلت عنهم في سورة يس: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٥٥-٥٨). وقد قال السعدي في تفسير هذه الآية في كتابه (تفسير السعدي): "وإذا سلم عليهم الرب الرحيم، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه، وحصلت لهم التحية، التي لا تحية أعلى منها، ولا نعيم مثلها، فما ظنك بتحية ملك الملوك، الرب العظيم، الرؤوف الرحيم، لأهل دار كرامته، الذي أحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبداً، فلولا أن اللّه تعالى قدر ألا يموتوا، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور، لحصل ذلك. فنرجو ربنا ألا يحرمنا ذلك النعيم، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم".