19 سبتمبر 2025
تسجيلتقف الحسابات المالية والخارجية القوية وراء التصنيفات الائتمانية المرضية للكويت. حديثا فقط، أكدت مؤسسة ستاندرد أند بورز التصنيف الطويل الأجل للكويت من نوع أي أي. في الواقع، يمكن تفهم رضا ستاندرد أند بورز من قدرة الكويت بالاستمرار في تسجيل فوائض مالية عاما بعد آخر. تقدر مؤسسة ستاندرد أند بورز تسجيل فائض يشكل 30 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للكويت في السنة المالية المنتهية في مارس 2015. يشار إلى أن السنة المالية في الكويت تمتد ما بين أبريل ومارس. مما لا شك فيه، يعتبر حجم الفائض المشار إليه استثنائيا في الظروف العادية ناهيك خلال فترة انخفاض أسعار النفط. كما هو الحال مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، يعتبر القطاع النفطي المساهم الأول لإيرادات الخزانة العامة للكويت. وبشكل أكثر تحديدا، يساهم القطاع النفطي بنحو 90 بالمائة من إجمالي الصادرات، و80 بالمائة من إيرادات الدولة، و60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. تؤكد الإحصاءات بأن الاقتصاد الكويتي الأكثر اعتمادا على النفط في المنظومة الخليجية. ومع ذلك، لدى الكويت طريقتها الخاصة لإعداد الموازنة العامة عبر تبني معادلة مفادها المبالغة في تقدير النفقات من جهة والتقليل من الإيرادات من جهة أخرى. من جملة الأمور، تنصب هذه السياسة بالحد لتطلعات نواب مجلس الأمة من الحكومة فيما يتعلق بالصرف. يشتهر بعض نواب مجلس الأمة بالضغط على الحكومة لصرف منح وعطايا ومزايا جديدة للمواطنين بين الحين والآخر تطبيقا لمبدأ إعادة توزيع الثروة. بيد أنه من شأن تبني مبدأ موازنة تتضمن نفقات مرتفعة وإيرادات منخفضة نسبيا وضع كوابح لرغبات بعض أعضاء مجلس الأمة. تكفي الإشارة إلى أن مؤسسات القطاع العام توفر فرص عمل لنحو 90 بالمائة من المواطنين ومؤكداً بأن لكل شيء حدودا. وعلى هذا الأساس، تستحوذ النفقات الجارية على نصيب الأسد من مجموع النفقات العامة. وللتدليل على ذلك، أعدت الحكومة موازنة السنة المالية 16/2015 بإيرادات في حدود 41 مليار دولار مقابل نفقات قدرها 64 مليار دولار ما يعني تسجيل عجز دفتري ضخم. وفي هذا الإطار، افترضت السلطة رقم محافظ ومنخفض قدره 45 دولارا للبرميل لاحتساب الإيرادات. وبعبارة أخرى، تساهم ظروف المالية العامة في تكوين الصورة الإيجابية عن الاقتصاد الكويتي. وجاء في ورقة بحثية صدرت حديثا عن بنك دويتشه الألماني بأن نقطة التعادل للموازنة العامة في الكويت عبارة عن 47.5 دولار للبرميل. يعتبر هذا الرقم الأدنى بين دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا مقارنة مع حاجة البحرين والتي بدورها تحتاج متوسطا في حدود 119 دولارا للبرميل لتحقيق نقطة التعادل. كما يتمتع الاقتصاد الكويتي بملاءة نوعية لدى وكالات التصنيف الأخرى وتحديدا موديز وفيتش بحصولها على فئة الألف في الحالتين. بل تشترك كل من ستاندرد أند بورز وموديز وفيتش في صفة واحدة وتحديدا نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد الكويتي. لا شك، تستمد وكالات التصنيف الكثير من الاطمئنان من الاحتياطي العام للكويت والمعبر عنه في الثروة السيادية. بمعنى آخر، يوفر حجم الاحتياطي العام المميز راحة البال لدى المتعاملين والمصدرين والدائنين مع الكويت. فحسب معهد الثروة السيادية، بلغت قيمة الثروة السيادية للكويت عبر هيئة الاستثمار الكويتية تحديدا 592 مليار دولار في شهر يونيه. وهذا يعني وقوع الكويت ضمن قائمة أفضل 10 دول بالنسبة لحجم الثروة السيادية. لحسن الحظ، حصل الاحتياطي العام على دفعة قوية خلال السنوات القليلة الماضية بعد قرار زيادة نسبة الأموال المقطوعة من عوائد النفط لمخصصات الأجيال القادمة. فقد ارتفعت نسبة الاقتطاع من 10 بالمائة في 2013 إلى 25 بالمائة في الوقت الحاضر من العوائد النفطية لحساب الأجيال القادمة. حقيقة القول، تتميز الكويت بين سائر دول مجلس التعاون باقتطاع نسبة مؤثرة من الدخل النفطي للمستقبل لضمان عدم تمتع جيل معين من ثروات البلاد على حساب الأجيال الأخرى تحقيقا لمبدأ العدالة. على المستوى العالمي، تتميز النرويج بصرف نسبة غير مرتفعة من الدخل النفطي خلال السنة المالية الواحدة والاحتفاظ بالباقي للمستقبل. مصدر آخر لقوة الاقتصاد الكويتي يتعلق بالطاقة الإنتاجية النفطية، حيث من المتوقع أن يرتفع في المستقبل المنظور من 3.2 مليون برميل يوميا إلى 3.5 مليون برميل يوميا. فحسب تقرير يونيه 2015 لشركة بي بي البريطانية وهو تقرير سنوي متخصص في الإحصاءات النفطية، لدى الكويت احتياطي نفطي في حدود 100 مليار برميل. يترجم هذا الرقم إلى 6 بالمائة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم. يعتبر هذا ثاني أعلى مستوى من احتياطي النفط في دول مجلس التعاون الخليجي بعد السعودية. في المقابل، لا يمكن التغاضي عن بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي كما يتجلى في تقارير صندوق النقد الدولي. يتوقع الصندوق تسجيل نمو اقتصادي في حدود 1.7 بالمائة فقط في 2015 مرتفعا لحد 1.8 بالمائة في 2016 في الكويت. تعتبر نسب النمو هذه ضئيلة قياسا ببعض الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون، حيث يتوقع صندوق النقد نموا في حدود 7 بالمائة للاقتصاد القطري خلال الفترة نفسها. تحد التحديات الأمنية والسياسية في المنطقة بالحد من المستوى الائتماني وبالتالي مكانة الاقتصاد الكويتي، فهناك معضلات اليمن وسورية والعراق ولبنان وليبيا والتي بدورها تزيد من مستوى الخطورة في المنطقة بأسرها عبر أسعار الشحن والتأمين ومفهوم المخاطرة، كما أن ظاهرة بقاء أسعار النفط منخفضة على الأقل لفترة زمنية تحد من حجم الإيرادات المتوقعة والتي بدورها توفر التمويل الضروري للنفقات. مهما يكن من أمر، يعتبر الوضع المالي للكويت مريحا بالنظر لحجم الاحتياطي العام وقدرة تسجيل فوائض في الموازنة العامة والحسابات الخارجية.