13 سبتمبر 2025
تسجيلليت وسائل الإعلام العربية تقوم بوظيفتها في الوفاء بحق الجماهير في المعرفة؛ فتكشف الحقائق، وتوفر المعلومات عن أحداث تزيد وعي الإنسان. من أهم تلك الأحداث أن الغرب يحاول اختبار قوة المسلمين في التمسك بالقرآن، ليخطط لإدارة صراع طويل المدى معهم، لأنه يتوقع أن يحمل المستقبل مفاجآت جديدة يمكن أن تغير الواقع. والغرب قرأ التاريخ جيدا في مراكز بحوث متخصصة، جمع فيها الكثير من الباحثين في كل المجالات، لكنه لا ينشر دراساتهم، بل يستخدمها للتخطيط الاستراتيجي، وادارة الصراع. القرآن يبني المستقبل.. كيف؟ لذلك يجب أن تجمع الأمة الإسلامية علماءها، في مراكز بحوث متخصصة، تعمل لتطوير استخدام الأمة لمصادر قوتها، وتشجع الباحثين على تفسير التاريخ بمناهج علمية جديدة، وربط التاريخ بالمستقبل. من أهم الأسئلة التي تحتاج الأمة إلى إجابة متعمقة لها: كيف تمكن المسلمون من تحرير البشرية من ظلم الامبراطوريتين الفارسية والرومانية، وإقامة أعظم حضارة عرفها التاريخ، وهل يمكن أن يقوم المسلمون بتقديم تجربة جديدة للبشرية التي تشتد حاجتها للتحرر من الخوف من قوة الغرب الغاشمة ؟!. نقطة الانطلاق نحو بناء المستقبل هو أن نكتشف الإعجاز الحضاري في القرآن الكريم، فالقرآن هو الذي قدم للأمة الأسس العلمية النظرية والتطبيقية لبناء حضارة جديدة ومتميزة هي الحضارة الإسلامية. القرآن وثورة العقول! بدأ بناء الحضارة الإسلامية بتأهيل الإنسان للقيام بوظائف حضارية، فعلمه القرآن أهميته وقيمته في الكون، وأن الله أعطاه القدرات التي يمكن أن يستخدمها في بناء عالم جديد. الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان عقلا يمكن أن يستخدمه في اكتشاف عناصر القوة الصلبة، وتطويرها وتوظيفها لتحقيق أهداف عظيمة طويلة المدى، والقرآن علم الإنسان ترشيد العقل بالمعرفة والإيمان والحكمة، فشحذ المسلمون عقولهم لتنتج أفكارا جديدة لبناء الحضارة، وانطلقوا من جزيرتهم ليواجهوا قوة الفرس والرومان الغاشمة، التي لم تستطع الصمود أمام ثورة العقول الإسلامية. وتأهيل القلوب بالإيمان! علم القرآن المسلم كيف يستخدم عقله، ولكن أعطاه المعرفة التي يستخدم هذا العقل في ضوئها، فينتج أفكارا جديدة تساهم في بناء مجتمع المعرفة كأساس للحضارة، وهذه المعرفة هي الثروة الحقيقية للإنسان، وأهم مصادر قوته. لذلك شهدت المدينة المنورة أول مجتمع معرفة في التاريخ بدأ بوصول رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستمر يتطور طوال عهد الخلفاء الراشدين، حتى تمكن المسلمون من إنشاء الكثير من المجتمعات المعرفية في القدس ودمشق وبغداد والقاهرة، ثم في الأندلس التي تحولت إلى أكبر مجتمع معرفة عرفه العالم، فأصبحت الأندلس جامعة كبرى يتخرج فيها العلماء من كل التخصصات. لكن أهم ما يميز المجتمعات المعرفية الإسلامية الربط الواعي بين العقل والايمان، فالعقل يكتشف قوانين الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى بقوته وحكمته، فأصبح العقل الإسلامي يعمل بكل طاقته لإنتاج أفكار تساهم في بناء الحضارة على أسس الحق والعدل والحرية والأخلاق والحكمة. القرآن أهل العقل الإسلامي بالمعرفة والحكمة ليبني الحضارة المرتبطة بالإيمان، وهذا يفسر كيف تمكن المسلمون من كسب العقول والقلوب في جميع الأمصار التي فتحوها، فهم لم يستخدموا القوة الصلبة الغاشمة في قهر الشعوب، لكنهم استخدموا المعرفة في كسب قلوبهم بعد أن حرروهم بسيوفهم من ظلم الفرس والرومان. الإعجاز الحضاري للقرآن ولكي نتمكن من بناء المستقبل يجب أن نكتشف الاعجاز الحضاري في القرآن الكريم، وكيف أهَّل الإنسان ليبني الحضارة الإسلامية العظيمة، وكيف يمكن أن يعيد القرآن بناء الإنسان ليكون مفكرا وعالما ومعلما وقائدا وفارسا، وكيف يمكن أن يبني الحضارة الإسلامية من جديد. والإنسان يمكن أن يغير الواقع بالقرآن، فيتحدى القوة الغاشمة بإيمانه، ويكتشف الحقائق، ويكسب القلوب، ويوفر للناس المعرفة التي توضح لهم معنى حياتهم، وأن الكرامة منحة من الله وحده للإنسان، لذلك يجب أن يعيش على الأرض حرا كريما يعبد الله وحده، ويقوم بوظيفته الحضارية.