15 سبتمبر 2025

تسجيل

الوطن ليس وجهة نظر

23 يوليو 2013

ميزان العقل والضمير يفرض في هذه اللحظة أن يرقى الحديث حول مصر إلى شرف العطاء الجاري فوق الأرض، وحرمة الدم المسال من الشعب، وأن يدرك حقيقة الحرب الدائرة في ربوع مصر. ما تخوضه مصر الآن ليس صراعا سياسيا على الإطلاق، وليس مواجهة بين أنصار ديمقراطية وأهل انقلاب على الديمقراطية، إنها حرب استرداد الإرادة الوطنية من الاغتصاب الذي جرى خلال الثلاثين شهرا الماضية، وحاول المغتصب أن يبني قواعده المسلحة داخل الوطن، وأن يبني تحالفاته مع الخارج، وكل غايته تكريس الاستيلاء على السلطة في أعقاب يناير 2011. الدم المسال كله مصري، وكله حرام، وكما أن الوطن ليس وجهة نظر، فحرمة الدم أيضاً ليست وجهة نظر، وهو أمر يزيد من مرارة الصراع، وترخص أي كلمات تحاول تبرير الدم، أو التغاضي عنه. القلم الآن كمشرط جراح، لا يملك فسحة من المكان أو الوقت، فاللحظة لها قدرها وقيمتها في عمر الوطن، واي خطأ من يد جراح ترتعش، او تتجاوز، رغم نبل مقصده، قد تحول عملية الإنقاذ بالجراحة إلى عملية قتل. الفصل بين 30 يونيو 2013 و25 يناير 2011 هو نوع من التعسف في دراسة ما جرى على الأرض المصرية، فحقيقة الأمر أن 25 يناير 2011 أسقطت وجها واحدا لنظام الفساد الذي كان يحكم مصر، وأسقطت 30 يونيو 2013 الوجه الآخر لهذا النظام. الحزب الوطني وجماعة الإخوان وجهان لعملة واحدة، استطاع الأول أن يبقي 30 عاما لأنه كان مستنبتا من رحم الدولة، ولم يبق الثاني أكثر من عام لأنه كان أعمق خطرا من مجرد الفساد، كان الفساد مضافا إليه الاغتراب عن الدولة، ولأنه بلا وجود في الدولة، كان باحثا عن استقواء بالخارج، سواء بأنظمة صنعته ومولته، او كان الاستقواء لاستعواض الاغتراب عن الدولة بفيلق الناتو الديني من جماعات الإرهاب تحت راية الإسلام، والفساد والاغتراب فتحا باب التفريط وصارت المحظورات الوطنية مستباحة بلا حدود في معني الوطن والأرض والإنسان. هناك مواجهات بالسلاح والدم، والفصل بينهما هو تغييب للإدراك: 1. المواجهة بين الجيش والجماعات الإرهابية. 2. المواجهات الدموية التي تفرضها جماعة الإخوان. المواجهة مع الجماعات الإرهابية ليست حربا بين جيوش نظامية، ولكنها هي مواجهة مع حرب العصابات. وإذا كان البادي للعيان أنها مواجهة في سيناء وأغلب عملياتها في الشمال، غير أنها من حيث احتمالات التمدد والانتشار لا تترك مكانا علي سواحل البحر الأحمر وخليج العقبة أو ساحل المتوسط، ولا تترك أيضاً مكانا على كافة الحدود البرية، سواء كانت المواجهة لقطع خطوط الإمداد للكيانات التي اتخذت قواعد في سيناء او في غيرها، أو لاحتمال قيام جماعات أخرى من خارج مصر بغارات للإرباك او استهداف لمواقع أو لضجيج إعلامي لدعم ما يحدث داخل مصر، وليس هناك ما يمكن استبعاده، خاصة بعد أحاديث عن مواقف لبعض الدول، ولتنظيم القاعدة، ولتنظيم الإخوان الدولي. وفي الداخل بعيدا عن المناطق الحدودية وسيناء (والذي يمكن للعمليات الإرهابية أن تمتد إليه علي غرار ما يجري في العراق)، تحولت جماعة الإخوان إلى قنبلة عنقودية، بانفجارات متتالية، بلا أي معني وبغير أي قدرة علي الحسم، وفي كافة الاتجاهات، وصارت ظاهرة القتل والتعذيب واستهداف عناصر الجيش والشرطة، تخرجهم عن أي توصيف ديني او وطني أو أخلاقي، وكأنها حالة من الانتحار الجماعي، تحاول أن تصل إلى الحالة السورية وبأي ثمن. لم تنقسم الجماعة إلى عقلاء ومنفلتين، ولكن الحالة شملت الجميع وبلا استثناء، وراحت الجماعة تستدعي كيانات أخرى من داخل المجتمع لتحمل معها رسالة القتل إلى المواطنين. أي أن المواجهة صارت جبهة يواجه الجيش فيها الجماعات الإرهابية، وجبهة داخلية يحول التحالف الأمني أن تتصاعد فيها الاشتباكات إلى الحرب الأهلية. أي مواجهة مسلحة بالقتال، أو بالقتل، أن لم يتحدد لها هدف تصبح نوع من البلطجة، وهي في حالة الإرهاب الديني بلطجة مطلقة، فهي لا تستند إلى شرعية تسوغ لها حمل السلاح، بل الغريب أنها تحمل السلاح بعيدا عن ميادين المواجهة الحقيقة مع مصدر الخطر الرئيس في المنطقة. للمواجهات أهداف تسعى الأطراف إلى تحقيقها، وتحول دون أن يحقق من تواجهه أهدافه. أيا ما كانت أهداف جماعات الإرهاب المسلحة النهائية حتى وإن ادعت السعي لإقامة إمارة على أرض سيناء، إلا أنها لا تتجاوز فيما تؤدي سوى استهداف مواقع الجيش والشرطة وعناصرهم، مضافا إلى المواقع الإدارية بالتدمير، أي أن حجم الفعل لا يتجاوز هدف "إعلان عدم سيطرة الدولة على تلك المناطق"، وإعلان عجز الجيش والشرطة عن ردعهم، وفي مواجهة ذلك تتعدد مهام الجيش لتستهدف عزل الكيانات التي تكونت عن أي مصادر إمداد وتموين، سواء بالسلاح والذخائر او بالأفراد، ثم تصفية القواعد التي تنطلق منها وتدمير إمكاناتها المادية، وثالثا منع هذه المجموعات من نقل عملياتها إلى مناطق أخرى خاصة داخل الوادي أو إلى منطقة القناة. أهداف هذه المواجهة مع حالة حرب العصابات، تعتمد علي القدرة علي الاستمرار واستنزاف هذه الجماعات وتحقيق ضربات حاسمة في مواجهتها، والحد من خسائر فترة الاستنزاف اللازمة لتحقيق هدف التصفية. والهدف علي الجبهة الداخلية قد يتحدد في الحفاظ علي كافة منشآت الدولة، والحد من نزيف الدم، وحصار التجمعات وعزلها عن أي مدد بالسلاح او الأفراد وتركها للتفكك الذاتي، والاكتفاء بمواجهة الأهالي لحركة مجموعات تنتمي للجماعة أو من مواليهم مع الحرص علي عدم تحول هذه المواجهات إلى حالة حرب أهلية. والفصل بين المناطق التي تتمركز فيها قواعد الجماعات الإرهابية، وبين الداخل هو هدف رئيس، حتى تؤتي حرب الاستنزاف في الحالتين نتائجها. ويضاف إلى حزمة الأهداف هذه هدف جوهري، وهو الحرص على ألا تتحول حرب الاستنزاف إلى نزيف للمجتمع، سواء على المستوى النفسي والروح المعنوية، أو على مستوى القبول بالتضحيات، أو على المستوى المعيشي، وأخيرا على مستوى استيعاب أن المواجهة شاملة وان دور الكتل الجماهيرية فيها دور أساسي، لأنها قوة المواجهة في الداخل، وهو أمر أثبتت الأيام الماضية انه يتحقق وفي كل مكان حاولت شظايا الجماعة أن تعلن وجودها فيه، ورغم حالات الاغتيال التي قامت بها الجماعة، غير أن مطاردة المواطنين لهم صارت سمة قد يعاني بسببها أعضاء الجماعة كأفراد من عدم إمكانية العودة إلى حياتهم الطبيعية السابقة علي 30 يونيو. ليست هناك مواجهات مسلحة لا تدعو أطرافها لأفق واضح للحل، وهذا أمر مقبول، وواجب، شرط ألا يتحول السعي لفتح الأفق وعدم إغلاقه نهائيا، إلى حالة من الدروشة، وكأن المتحدثون عنها لا يعيشون وقائع ما يجري ويستخفون بالدم، بل ويعبثون بالعقل عندما يتحدثون عن جماعة سرية تدعوا للقتل وتقتل، على أنها شريك في وطن. الخطر أن تتكرر حالة يناير 2011 في يونيو 2013، عندما ظن الشعب انه حقق ثورة بهدف التغيير الجذري للنظام، بينما استوعبت إدارة الفترة الانتقالية الأمر أنها انتهت من أمر التوريث وأخذت تعمل حلا لا علاقة له بالثورة ولا بالتغيير. ويزيد من هذا الخطر، أن الكيانات السياسية التي كانت قائمة في يناير هي ذاتها القائمة في يونيو، مضافا إليها بعض المستجدات، ولكن لا القديم ولا الجديد استطاع أن ينتج قيادات تقيم توازنا في مواجهة النخبة القديمة والعاجزة عن استيعاب حقيقة ما أراده الشعب في يناير، والشواهد حتى اللحظة أنها لم تستوعب مما أراده الشعب في يونيو غير إزاحة الإخوان وفقط، وهذه الكيانات السياسية ونخبتها أيا ما كان إسهامها التحريضي، غير أنها فاقدة للقدرة علي تحويل التحريض إلى حركة جماهيرية منظمة. هناك وجه شبه ووجه اختلاف الآن، أن إدارة يناير 2011 لم تكن طرفا في حركة الشعب سوي بالانحياز، ولكن إدارة يونيو 2013 كانت واعية بضرورات التغيير لأن الخطر تجاوز الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ووصل إلى كيان الدولة ذاته وأمنها القومي أو بمعنى آخر وجود الوطن، ولكن الاكتفاء بأن الفترة الانتقالية هي تعديلات دستورية وانتخابات نيابية ورئاسية، وانكفاء الكيانات السياسية من حول كعكة السلطة، بعيدا عن موجبات الدستور وما يليه، هو وجه شبه يثير من المخاطر أكثر بكثير من الأمل. ان التعامل ببرود مع حقيقة أن 30 شهرا من حراك مستمر من أجل أهداف الثورة، تستهدف مجرد تعديلات دستورية، هو نكسة أخرى لمسيرة الثورة، خاصة وان التعديلات جري جلب قضاة وأساتذة قانون لإجرائها، وكأن حديثا وصراخا كان مستمرا طوال إعداد الدستور الجاري تعديله حول أن مفهوم الدستور بأنه عقد اجتماعي لا يعني إتمامه بلجان فنية، ولكن يجب إتمامه بتوافق شعبي. المواجهة المسلحة الدامية مع الإرهاب وجماعة الإخوان، لا يجب أن تكون بعيدا عن المجتمع ولا يجب النظر إليها بعين نقدية، إنها مواجهة المجتمع مع الإرهاب، المواطنون يواجهون الإخوان في الشوارع، والجيش يواجه الإرهاب في قواعده المسلحة، وعلي إدارة المرحلة الانتقالية أن تستوعب كل الدرس، الكل تحت السلاح وأرواحه على كفيه، ولم يجني شيئا بعد، ومن غير المنظور أن يحقق شيئا علي مدي قصير، فليس أقل من أن ينتج كل المجتمع رؤيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لنظام الحكم والتنمية والعدالة الاجتماعية، حتى يعبر عنها الدستور، ولا نصبح من جديد ضحايا ممدوح شاهين العنصر المشترك بين لجنة البشري ولجنة الغرياني واللجنة الأخيرة التي تعدل وتشطب وتضيف وغير معلوم علي أي أساس.