12 سبتمبر 2025
تسجيلنواصل الحديث مع سورة محمد صلى الله عليه وسلم ونقف عند قوله تعالى (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير ءاسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم {15}) (مثل الجنة التي وعد المتقون) استئناف مسوق لشرح محاسن الجنة الموعودة آنفا للمؤمنين وبيان كيفية أنهارها التي أشير إليها إلى جريانها من تحتها وعبر عنهم بالمتقين إيذانا بأن الإيمان والعمل الصالح من باب التقوى الذي هو عبارة عن فعل الواجبات بأسرها وترك السيئات عن آخرها ومثلها وصفها العجيب الشأن وهو مثل الجنة ما تسمعون وقوله تعالى (فيها أنهار) الخ مفسر له وقدره سببوية فيما يتلى عليكم مثل الجنة والأول فيها أنهار الخ (من ماء غير آسن) غير متغير الطعم والرائحة وقرئ غير آسن (وأنهار من لبن لم يتغير طعمه) بأن صار قارصا ولا خازرا كألبان الدنيا (وأنهار من خمر لذة للشاربين) لذيذة ليس فيها كراهة طعم وريح ولا غائلة سكر ولا خمار وإنما هي تلذذ محض ولذة أما تأنيث لذ بمعنى لذيذ أو مصدر نعت به مبالغة وقرئ لذة بالرفع على أنها صفة أنهار وبالنصب على العلة أي لأجل لذة للشاربين (وأنهار من عسل مصفى) لا يخالطه الشمع وفضلات النحل وغيرها في هذا تمثيل لما يجري مجرى الأشربة في الجنة بأنواع ما يستطاب منها ويستلذ في الدنيا بالتخلية عما ينغصها وينقصها والتحلية بما يوجب غزارتها ودوامها (ولهم فيها) مع ما ذكر من فنون الأنهار (من كل الثمرات) أي صنف من كل الثمرات (ومغفرة) أي ولهم مغفرة عظيمة لا يقادر قدرها وقوله تعالى (من ربهم) متعلق بمحذوف هو صفة لمغفرة أي كائنة من ربهم وقوله تعالى (كمن هو خالد في النار) أمن هو خالد في هذه الجنة حسبما جرى به الوعد كمن هو خالد في النار كما نطق به قوله تعالى والنار مثوى لهم وقيل هو خبر لمثل الجنة على أن في الكلام حذفاً تقديره أمثل الجنة كمثل جزاء من خالد في النار أو أمثل أهل الجنة كمثل من هو خالد في النار فعرى عن حرف الإنكار وحذف ما حذف تصويراً لمكابرة من يسوى بين المتمسك بالبينة وبين التابع للهوى بمكابرة من سوى بين الجنة الموصوفة بما فصل من الصفات الجليلة وبين النار (وسقوا ماء حميماً) مكان تلك الأشربة (فقطع أمعائهم) من فرط الحرارة قيل إذادنا منهم شوى وجوههم وانمارت فروة رؤوسهم فإذا شربوه قطع أمعاءهم. ●قوله (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم {16}) (ومنهم من يستمع إليك) هم المنافقون وإفراد الضمير باعتبار لفظ من كما أن جمعه فيما سيأتي باعتبار معناها كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يراعونه حق رعايته تهاوناً منهم (حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين آتوا العلم) من الصحابة رضي الله عنهم (ماذا قال آنفاً) أي ما الذي قال الساعة على طريقة الاستهزاء وإن كان بصورة الاستعلام وآنفاً من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة ومنه استأنف الشيء وائتنف (أولئك) الوصوفون بما ذكر (الذين طبع الله على قلوبهم) لعدم توجههم نحو الخير أصلاً (واتبعوا أهواءهم) الباطلة فلذلك فعلوا ما فعلوا مما لا خير فيه. ● قوله (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم {17}) (الذين اهتدوا) إلى طريق الحق (زادهم) أي الله تعالى (هدى) بالتوفيق والإلهام (وآتاهم تقواهم) أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها أو بين لهم ما يتقون.