10 سبتمبر 2025
تسجيلابتكر جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مفهوم «دبلوماسية القطة الميتة « وكان يعني به تحميل مسؤولية فشل المفاوضات للطرف الآخر، وتوجيه اللوم له، وتهديده بأنه سيترك « القطة الميتة « عند بابه.. لكن المفهوم لا يتوقف عند ذلك المعني ؛ حيث يتضمن بقاء المفاوضات مدة طويلة من الزمن، مع تحويل اهتمام وسائل الاعلام بعيدا عن الموضوع. ويرى ديفيد هيرست أن صفقة وقف اطلاق النار في غزة هي « قطة بلينكن الميتة «، فبالرغم من ان حماس وافقت على خطاب بايدن، وقرار مجلس الأمن إلا أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن ما زال يحمل حماس مسؤولية فشل الصفقة. سلوك بلينكن الدبلوماسي واصراره على الانحياز الواضح لإسرائيل؛ جعل الدبلوماسيين في الشرق الأوسط ؛ يتفقون على عدم الثقة في بلينكن ؛ فهو يريد استمرار المفاوضات دون التوصل إلى نتيجة. لكن هل تتحمل حماس المسؤولية ؟!! يشهد العالم كله على أن حماس وافقت على الصفقة التي قدمتها قطر ومصر، ثم أعلنت موافقتها على خطاب بايدن ؛ الذي حث فيه اسرائيل على قبول وقف عاجل وشامل لاطلاق النار ؛ بعد تبادل مبدئي للرهائن، وانسحاب القوات الاسرائيلية من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى بيوتهم، ودخول المساعدات الانسانية. لكن كيف رد النتن ياهو على هذا الخطاب ؟! كان الرد هو ارتكاب الجيش الاسرائيلى لمذبحة النصيرات التي تشكل جريمة ضد الانسانية، وقام بتسريب معلومات عن مشاركة المخابرات الأمريكية في المذبحة، وتسهيل دخول الجنود في شاحنات الاغاثة الانسانية ؛ التي انطلقت من الرصيف العائم الذي أقامته أمريكا على شاطئ غزة، وأن هدف هذا الرصيف هو توفير قاعدة للجيش الاسرائيلى للانطلاق منها. يرى ديفيد هيرست أن الإدارة الأمريكية تحتاج إلى وقف هذه الحرب بأسرع وقت ممكن ؛ لأن ذلك يخدم مصلحة بايدن الشخصية والسياسية، فهو يرغب في أن يعاد انتخابه رئيساً للبلاد.. كما أن لديه مصلحة خاصة في أن يوقف الحرب قبل أن تتوسع دائرتها، وتشتعل في لبنان ثم في المنطقة بأسرها.. لكن ما يفعله بلينكن هو العكس تماماً من ذلك؛ فهو يتسبب في سحب واشنطن أكثر فأكثر- عبر التورط العسكري المباشر- إلى أعماق المستنقع الإقليمي. إن النتن ياهو يدرك تماما ضعف بايدن، وأن هذا الضعف سيتزايد خلال الشهور القادمة، وأنه لن يستطيع أن يمارس ضغطا على اسرائيل، أو يحقق ما أعلنه في خطابه ؛ لذلك يصر على عدم وقف اطلاق النار حتى يحقق أهدافه التي حددها للحرب، وأهمها القضاء على حماس، ولذلك تقف أمريكا عاجزة أمام النتن ياهو ؛ رغم أنها تدرك أنه المستفيد الوحيد من استمرار الحرب، وأنه يعمل لجر أمريكا إلى حرب اقليمية. ولذلك كان من الغريب أن يصر بلينكن أثناء جولته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط على تحميل حماس المسؤولية، وتوجيه اللوم لها بحجة أنها لم تقبل بعد بالصفقة، ويحرص على تحقيق أهداف النتن ياهو، ولا يهمه كثيرا اعادة انتخاب بايدن. وبلينكن يحاول خداع العالم ؛ فهو يعرف جيدا أن النتن ياهو يقوم بإفشال كل جولات المفاوضات، وأنه يقوم بارتكاب المذابح كلما بدت في الأفق فرصة للتوصل إلى صفقة. ولذلك يحرص على استمرار المفاوضات دون نتيجة. إن سلوك النتن ياهو وبلينكن في خداع العالم، ورفض التوصل إلى وقف لاطلاق النار يشير – كما يرى هيرست - إلى أن الأسوأ لم يأت بعد، لكنه سيأتي، فالحرب يمكن أن تتوسع لتشمل المنطقة كلها، والنتنياهو يريد جر أمريكا لحرب اقليمية، وأمريكا عاجزة عن الضغط عليه، وبايدن سيضطر لتقديم التنازلات له. لكن هناك أصواتا في اسرائيل بدأت تحذر من أن الأهداف التي حددها النتن ياهو للحرب لا يمكن تحقيقها ؛ حيث قال المتحدث باسم الجيش الاسرائيلى إنه لا يمكن القضاء على حماس لأنها فكرة أضحت راسخة في القلوب. لذلك تقبل حماس وقف اطلاق النار وخطاب بايدن وقرار مجلس الأمن، وبذلك وضعت «القطة الميتة « أمام باب النتن ياهو ومجلس حربه، وهكذا يمكن أن يجر النتن ياهو أمريكا إلى حرب اقليمية لا يستطيع أحد أن يتوقع نتائجها، لكن من المؤكد أن أمريكا ستخسر الكثير !.