19 سبتمبر 2025
تسجيلتعيش مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة ثورة من التقدم والتطور والتحديث الذي يطرأ بشكل ملحوظ على كافة جوانب الحياة، من ثورة صناعية واقتصادية وتكنولوجية وغير ذلك من جميع جوانب الحياة التي بتنا نشهدها ولا نكاد نستوعب سرعة حدوثها.. ودوماً لكل تطور وتقدم لابد أن يكون هناك سلبيات وليس فقط إيجابيات، فكم من مجتمعات مصغرة أوكبيرة دفعت أغلى الأثمان في سبيل اللحاق بركب التحديث، على حساب قيمها ومبادئها وتراثها وأصالتها. وبالمقابل فهناك مجتمعات تسعى جاهدة لتمسك العصا من الوسط، حين تبذل قصارى جهودها في الحفاظ على ماضيها من خلال العناية والاهتمام بالتراث والمتاحف والأسواق الشعبية والعادات والتقاليد والقيم الإسلامية، وتسعى لتعزيز الهوية الأصيلة في شبابها وفي مناهجها التعليمية حتى ينشأ أجيالها على بنيان قوي ومتين.. إن التاريخ خير شاهد على هشاشة الحضارات التي لم يكن لها جذور عميقة تحملها، والعكس صحيح، فكم من الحضارات نشأت وتعاظمت وطال عمرها لأنها مبنية على أساس صحيح وعلى ماض لم تستغني عنه حين بلغت من العلو مكاناً لم تكن لتبلغه لولا ذلك الماضي الذي كان لها بمثابة حجر الأساس الذي أقامت عليه جدرانها الحديثة.. إن هناك حقيقة لا يختلف عليها إثنان وهي أن من لاماضي له لاحاضر له، وأن من تنكر لماضيه لابد أن يأتي عليه يوم يصبح فيه كالغراب الذي قلد مشية الحمامة، فأضاع مشيته ومشية الحمامة، فلا يمكن أن يكون يوماً مثلها لأنه ببساطة غراب.. وهكذا لايمكن أن تقوم لمجتمع قائمة دون أن يكون معتزاً ومتمسكاً بأصالته وبدينه وبعاداته.. ومن ظن أن التطور هو خلع ثوب الماضي واستبداله بالحاضر لاشك أنه واهم، ولايدرك قيمة الاعتزاز بالأصل، ولايعي خطر أن يقوم بناء بدون أعمدة أساس صلبة، ولا يعرف كم من الخسارة سيلحق به حين يصبح في مهب الريح ويغدو كما قال تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) وحينها فقط سيدرك أنه رجعي وليس متحضرا، وأن كل ماصنعه سيذهب أدراج الرياح.