10 سبتمبر 2025
تسجيلكثيرةٌ هي الصراعات التي يخوضها الإنسان في دنياه، ومتنوعةٌ تلك النزالات التي يُدفع إليها المرء في حياته! ولكن لعل أكثر المعارك ضراوةً، وأشدها قسوة تلك التي يدخل فيها المرء محارباً مغواراً ضد نفسه! فما من حربٍ أقبح من حرب تُقام بين جنبيك، وساحاتها قلبك وعقلك ووجدانك! لا تضع أوزارها، ولا تفتأ تستخدم أكثر الوسائل فتكاً في تدميرك، ولا تهنأ روحك براحة بالٍ ولا بأنسٍ أو سلامٍ تعيشه مع نفسك لنفسك! ما أقسى أن تكتشف أن أكبر ناقديك.. هو أنت! وأن أغلظ جلاديك.. هو أنت! وأن أكثر محبطيك.. هو أنت! وأن أكثر الأصوات المدمرة لك، والكارهة لتقدمك هو صوتك! صوتك أنت! وأن أكثر مرجفيك.. هو أنت! وأن ألدّ أعدائك.. هو أنت! لذا.. فالتصالح مع الذات هو أول خطوات التوفيق.. وأكبر الانتصارات أن تُعلن لنفسك الهدنة، وتضع أوزار الحرب، وترفع راية السلام مع ذاتك وتعيش راحة البال وأُنس الخاطر وتتقبل بشريتك بكل ما فيها من نقائص.. فتكون لذاتك حليفاً، وولياً حميماً، ومع غيرك مسالماً رفيقاً. تجدّ في احترام نفسك، وطمأنتها وتشجيعها وحثها على الإقدام، وتحتوي ضعفها وانكسارها كأقرب رفيق! لا تتهيَّب أن تعترف بأخطائك، ولا تستميت في الدفاع عن ذاتك المزيفة، أو تُغالي في انتقاد من حولك! ولا تجد في نفسك حرجاً - في المقابل - أن تخبر غيرك بتميّزه وجماله وتفوقه لأنك ببساطة لا تشعر بالتهديد ولا تسعى للإثبات ولا تفكر بصراعات تقض مضجعك! فلا أجمل من سلامٍ يُطمئن البال، ويُشجع على توفيق الحال، ويعين على دوام السعادة والقبول بالموجود قناعةً ورضا وامتناناً لخالق هذه الروح التي لم تُخلق للحروب، ولم تُوجد للمعارك، ولا تليق بها النزالات التي لا تزيدها إلا جراحاً دامية لا تبرأ، ولا تناسبها الصراعات التي تضفي عليها شحوباً ضامراً لا يزهو ! لحظة إدراك: سلام القلب، ونقاء الروح لا يستقيمان مع ثورة النفس على ذاتها، والتوفيق والفلاح لا يجتمعان مع ذات كارهة لنفسها ومن حولها، وقرار العين لا يكون مع من استلَّ سيف الخصومة على أقرب المقربين، ومن من المفروض أن يكون أصفى الأصفياء! والتي لا يحيلها النزاع إلا أن تنقلب على صاحبها كألد الخصام، لذلك فمن الحكمة أن يكون لها الأولوية في الدفع معها بالتي هي أحسن وإكرام الوفادة والتعهد بالحب والرعاية على أي عدو خارجي، حتى تنقلب لك إلى (وليٍّ حميم) تتعاهدك حباً بحب وإكراماً بإكرام، وصلحاً بصلح.