11 سبتمبر 2025

تسجيل

معادلة حرب العسكر الصفرية في السودان

23 أبريل 2023

المعادلة الصفرية في أي خلاف هي أسوأ أنواع المعادلات بين المتخاصمين والمتقاتلين في أزمة أو حرب. وهذا يعوق ويمنع التوصل لحلول وسط - والتوصل لاتفاق ينهي الخلاف والصراع وفي حالات النزاع المسلح الحروب. نشهد تداعيات وخطورة المعادلة الصفرية خلال أكثر من عام في حرب روسيا على أوكرانيا التي تجاوزت 14 شهراً، بلا خط أفق ولا وساطة تقرّب تنهي الحرب! شهدنا ذلك في الأزمة الخليجية ودور المعادلة الصفرية بإطالتها وتعقيدها لثلاثة أعوام ونصف العام. ونشهد تداعيات المعادلة الصفرية بتمرد قوات التدخل السريع-شريكة الجيش السوداني عسكرياً وقائد قوات الدعم السريع الجنرال حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة، ورئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان في حرب كسر عظم وازدواجية الرؤوس وجيشين-في حرب الضرورة. وبرعاية ومساندة قوات الجيش لقوات التدخل السريع، تحولت من فرق قتالية من قبائل دارفور عُرفت بقوات الجنجويد العربية بقيادة محمد حميدتي-ارتكبت جرائم حرب في دارفور، دفعت محكمة الجنايات الدولية لإصدار أمر القاء القبض على الرئيس السوداني عمر البشير المخلوع عام 2019- بتهم جرائم حرب! جرت الأعراف أن يكون للدولة جيش وقوات مسلحة واحدة وليس جيشين. يرفض محمد حميدتي- نائب رئيس مجلس السيادة-(نائب رئيس الدولة)-اندماج وضم قوات التدخل السريع التي يرأسها مع شقيقه، بالقوات المسلحة وقوامها 100 ألف عسكري. وهذا ما فجر الصراع! لذلك لم يكن مستغرباً تفجر المواجهات ونقض اتفاق الإطار برفض حميدتي الاندماج بالقوات المسلحة. المعضلة لا يملك طرفا الصراع في حب العسكر في السودان القدرة لحسم المواجهة العسكرية. ورغم كثرة الموفدين والمبعوثين الدوليين من الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبا وبريطانيا والنرويج- لم ينجحوا بلعب أي دور والتوسط لحل الصراع وإنهاء الحرب المستمرة. ونشهد تأثير المعادلة الصفرية خلال الأسبوع الماضي واستمرارها وضراوتها في حرب العسكر في السودان في طرفي الصراع والذي بعد مرور أسبوع من حرب ضارية ومدمرة داخل مناطق سكنية وخاصة في العاصمة الخرطوم. وبرغم ضراوة القتال والاتفاق بين الجيش السوداني وقوات التدخل السريع-وإعلان الطرفين لهدن يتم خرقها قبل أن تبدأ وتنهار خلال دقائق- تكررت في الأيام الأخيرة من العشر الأواخر من رمضان-وصولاً إلى هدنة مشتركة بطلب من أمين عام الأمم المتحدة بهدنة لثلاثة أيام عيد الفطر- إلا أن الهدن على أرضية شائكة ولا يمكن الوثوق بالالتزام بها بسبب المعادلة الصفرية. يعقد صراع القوتين العسكريتين-الأولى تمثل الجيش النظامي للقوات المسلحة لمجلس السيادة السوداني منذ الانقلاب العسكري الأول عام 2019-ثم في الانقلاب العسكري الثاني، والثانية قوات التدخل السريع تتمتع بعلاقات مريبة مع قوى إقليمية عربية ومع روسيا وجماعة مرتزقة فاغنر الروسية. والملفت تبرير دفاع قائد قوات الدعم السريع حربه على الجيش السوداني بأن قتاله هو للدفاع وحماية الديمقراطية- هذا المنطق لا يصدقه أحد وغير مقنع للشعب السوداني والقوى الكبرى التي يخاطبها.خطورة حرب العسكر في السودان تهديد القطاع الصحي بالانهيار، بعد خروج 55 مستشفى عن الخدمة في العاصمة الخرطوم من 78 مستشفى. يرافق ذلك تحذيرات من نقابة أطباء السودان من انهيار القطاع الصحي، الذي كان يعاني أصلاً حتى قبل حرب العسكر المدمرة الحالية من أوضاع صعبة. وبرغم الدور الأمريكي والتواصل بين وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن ورئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان وحميدتي رئيس قوات التدخل السريع- وحث الطرفين على وقف القتال- وحتى وضع إدارة بايدن خططاً لإجلاء الرعايا الأمريكيين-ونشر وزارة الدفاع قوات وقدرات أمريكية بحرية وخاصة في جيبوتي-استعداداً ٌلإجلاء الرعايا الأمريكيين إذا دعت الحاجة. كما تضع دول الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية خططاً لإجلاء رعاياهم من السودان مستغلين فترة الهدنة الحالية خلال عطلة عيد الفطر. يزيد مخاوف حرب عسكر السودان برغم العلاقات الوثيقة مع دول عربية مؤثرة في المشهد السوداني للعب دور الوسيط المحايد- وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وحتى الاتحاد الأفريقي والايغاد وتركيا، إلا أن تلك القوى من دول ومنظمات فشلت بتحقيق اختراق لوقف الحرب والتوصل لاتفاق سلام ينهي القتال المدمر. واليوم هناك مخاوف حقيقية إذا لم يتم وضع حد للتصعيد العسكري- من حرب أهلية داخل السودان وحتى حرب إقليمية بدعم دول إقليمية عربية وحتى روسيا وقوات مرتزقة فاغنر الروسية الخاصة التي لها حضور عسكري في دول في غرب أفريقيا - وخاصة حضورها الملفت والكبير إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا-وخاصة في معركة السيطرة على مدينة باخموت شرق أوكرانيا التي تحولت لركام خلال الأشهر الماضية. قدمت مبادرة القوى الوطنية السودانية مبادرة تدعو لوقف أطلاق النار-بدل الهدن التي سرعان ما يتم خرقها. وخاصة في عطلة عيد الفطر والتوصل لآلية لوقف اطلاق النار-وتكوين لجنة مشتركة لمراقبة وقف الأعمال العدائية ولتنسيق وقف إطلاق النار. خاصة أن ثلث الشعب السوداني حوالي 15 مليون سوداني يعانون من فقدان الأمن الغذائي ويعتمدون على مساعدات المنظمات الدولية. لذلك من الضروري التوصل لوقف إطلاق نار بنجاح وساطة أي طرف ينقذ ما يمكن إنقاذه. لذلك رحبت الآلية الثلاثية باتفاق وقف إطلاق النار بعد أسبوع من المواجهات الدامية التي أودت بحياة المئات وجرحت الآلاف في عطلة عيد الفطر التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار ما سيسمح بتوفير ودخول المساعدات الضرورية وخاصة الدواء والرعاية الصحية والغذاء. وخاصة هناك ضحايا سقطوا قتلى وجرحي من الطواقم الطبية ومن المنظمات الإنسانية-التي تحذر من الأوضاع الخطيرة وتلمح إلى احتمال وقف أعمالها في السودان. التحدي هل تصمد وتنجح عطلة عيد الفطر؟ وهل تنجح الوساطة؟ وهل ممكن وضع حد لحرب لا رابح فيها؟! ويبقى الخاسر الأكبر الشعب السوداني ضحية حرب العسكر!