14 أكتوبر 2025

تسجيل

صفقةُ القرنِ.. الرهانُ على الشعوبِ

23 أبريل 2019

أعظم ما يخيف العربَ الراكبين في العربة الأولى من قطار صفقة القرن، هو علمُ فلسطين الذي يخفق في مظاهرات أشقائنا الجزائريين والسودانيين، وأهازيجُ أشقائنا المغاربة من مشجعي نادي الرجاء وهم يغنون لفلسطين في الملاعب، وسوى ذلك من مظاهر تقول إن قدسيتها عند الشعوب هي جزءٌ من العقيدة الإسلامية، فلا يمكن لأحد أن يمحوها إلا إذا استطاع محو جزءٍ من عقيدتنا، وهو أمر مستحيل. لذلك لابد أن نقرأ أبرز مظاهر أدوار أبوظبي والرياض في هذه الصفقة التي سيدفع أشقاؤنا الفلسطينيون وأبناءُ شعوب عربية بأكملها الأثمانَ المباشرةَ لها من دمائهم ومصائر بلادهم، في حين ستدفع الشعوبُ العربيةُ والإسلاميةُ الأخرى الأثمانَ غير المباشرة من أمنها الداخلي والخارجي، ومقدراتها الاقتصادية. 1- الاستعمار الظبياني: من الحالات الغريبة والمضحكة في تاريخنا المعاصر، أن أبوظبي تحاول بيأس أن تكون مركز اتخاذ القرار العربي، لكنها لن تنجح أبداً. فهي مرفوضة من الشعوب لأنها كانت، ولم تزل، رأس الحربة في المشروع الدموي لتركيع الشعوب واستعبادها في كثير من بلادنا العربية. كما أنها لا تملك مشروعاً حضارياً عربياً إسلامياً يجعلها قادرةً على تخليق قوةٍ ناعمةٍ مساندةٍ لها. والمضحك هو أنها تقوم بما يتجاوز حجمها الحقيقي وإمكاناتها، كالاستعمار غير المباشر لمصر بواسطة منظومة حكم فاسدة تعمل على تهميشها وإضعافها، وشغل شعبها بالاستبداد والإفقار، لمنعها من التأثير الإيجابي لصالح القضية الفلسطينية. ولأن قيادة أبوظبي تعتقد أن وهمها الإمبراطوري لن يتحقق إلا بتدمير دول عربية يمكنها، لو استقرت، أن تنافسها على مركزها التجاري العالمي، وتؤثر إيجاباً في الصراع مع الصهاينة، فإنها تقود حرباً عبثيةً في اليمن بهدف تمزيق نسيجه الاجتماعي، وتكوين مليشيات عميلةٍ لها، مما سيساعدها على احتلال موانئه وجزره الاستراتيجية. أما ليبيا، فإن أبوظبي والرياض تستثمران في عميلهما المليشياوي خليفة حفتر لتخليق بؤرة اضطراب فيها تضغط على الجزائر، وتعطل تحقيق مطالب شعبها بالانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية ستكون كابوساً للصهاينة والنظم الاستبدادية التي لا تعيش إلا في أجواء الاستبداد والتصهين. 2- تخليق أعداءٍ جدد: حيث تشكل التجارب الديمقراطية الناجحة التي حققتها تيارات سياسية ذات مرجعية إسلامية عامة، كما في تركيا وماليزيا، كابوساً لأبوظبي والرياض اللتين تعتقدان أن النهضة والديمقراطية في أي بلد عربي وإسلامي هما تهديدٌ مباشرٌ لهما لأنهما لا تملكان مشروعاً حضارياً، وإنما تملكان فقط القدرة الاقتصادية التي تستخدمانها في تصنيع المستبدين والطغاة، وتخريب الأوطان. لذلك، نجدهما تحاولان بيأس أن تُقنعانا أن الكيان الصهيوني الغاصب حليفٌ وصديقٌ، وتُقدما لنا أعداءً جددا كتركيا. لكنهما لن تنجحا أبداً، فالشعوب تعرف أعداءها الوجوديين، وتناصر أي توجهٍ نهضوي إصلاحي معادٍ للصهيونية ومشروعها، كما هو حال حزب العدالة بقيادة أردوغان. 3- الجاسوسية: نحن نعلم أن كل دولة لديها أجهزة أمنية ترصد الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى، لكن أبوظبي لا تقوم بالرصد فقط، وإنما تعمل على تخليق مجموعات عميلة لها في تلك الدول بهدف زعزعة أمنها، وتدمير اقتصادها، وتغيير أنظمتها السياسية. ولا يقتصر نشاطها الجاسوسي المشين على الذين تعتبرهم خصوماً لها، كبلادنا وتركيا وماليزيا، وإنما يمتد إلى حلفائها كالسعودية، لأن القيادة الظبيانية تدرك أن دورها في صفقة القرن مرهونٌ بنجاحها في إيجاد أنظمة سياسية استبدادية تحكم دولاً عربيةً وإسلاميةً فاشلةً، وتقمع تطلعات شعوبها للديمقراطية والكرامة. 4- تخليق الأوهام: تؤمن قيادة أبوظبي بالنظرية الإعلامية النازية التي تقول: اكذب، اكذب، اكذب، حتى يصدق الناسُ كذبك. فنجدها تخلق لشعبها أوهام العظمة الفارغة لإلهائه عن الواقع المرير الذي يخبره أن بلاده أصبحت منبوذةً من الشعوب. فالإماراتيون لم يروا اللافتات التي رفعها الجزائريون والسودانيون في حراكهم السلمي الحضاري الرائع، ويطالبون فيها بعدم تدخُّل الإمارات والسعودية في شؤونهم، ولم يسمعوا هتافاتهم ضد محاولات تخليق سيسي جديد في بلادهم. ◄ كلمة أخيرة: أمرٌ رائعٌ أن نكون عرباً مسلمين، لأن ذلك هو الجدار الصلب الذي ستتحطم عليه صفقة القرن ومريدوها من المتصهينين العرب. [email protected]