13 سبتمبر 2025

تسجيل

التطوع والكتابة

23 أبريل 2018

في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كنت أعمل مفتشاً طبياً في الحدود السودانية الإرترية، شرق السودان، وكنت بحكم منصبي ذلك، عضواً في هيئة طوعية للإغاثة، ليست تابعة للدولة، لكنها تسير تحت مظلة الدولة. عن طريق تلك الهيئة، أتيح لي أن أتوغل في الصحراء، وأشاهد القحط جليا، وأساعد في إغاثة منكوبي الجفاف والجوع والزحف الصحراوي، وشح المراعي للقبائل الرعوية، وكانت تلك التجربة أيضا من التجارب الثرية التي استوحيتها من ذلك النشاط، حيث كتبت حكايات سيرة الوجع، ورواية أخرى من لحم البدايات اسمها نار الزغاريد، وفيها تعرضت لسيرة أحد موظفي الإغاثة، وكان يعمل في منظمة طوعية خارج البلاد لكنها اضطلعت بمهمة إغاثة سكان تلك المنطقة، لقد كنت شاهدا حين جاء ألبيرت راكبا شاحنة فرنسية الصنع وخلفه عشرات الشاحنات، تحمل أطنانا من الإغاثة، التي تشمل أشياء وأغذية ومعدات، لم تكن السلطة لتفكر فيها على الإطلاق، حتى لو كان ذلك في بلد ميسور الحال. كان ألبيرت يمارس نشاطه المجاني كجزء من منظومة المجتمع المدني التي تغيث، وفي نفس الوقت، يخترع وراءه حكايات وتفاعلات، تخترع بدورها رواية لكاتب كان حاضرا في ذلك اليوم، وأذكر أنني وصفت ذلك المشهد بهذه الفقرة الأقرب للشعر: " حين دخل الإغاثي، كان الجفاف نجما، تلألأ في سموات الحكايات، ومؤتمرات الأغذية والبدائل، وكاد يسحب سلة غذاء العالم من فوق رقعة الوطن كله. كذب غبار الإيتاب حين لوث البلدة من دون أن يغسلها كما كان يفعل في كل عام، ووضع نهر المبروك عربونا طفلا على الدلتا وانصرف، وبزغت كلمة: لله يا محسنين، حتى صارت منهاجا زراعيا وتجاريا ورعويا وتربويا، ولهاثا مستدرا للعطف، يلون به العشاق رسائلهم العاطفية. كان طبيعيا أن تموت النخلة، ويتأوه البرسيم، وتسند الكلاب مؤخراتها على الحوائط حتى تنبح بأمانة وشرف". ما أردت قوله من ذكر هذه القصة، هو ما يمكن أن يتيحه العمل الطوعي للروائيين من فرص كبيرة، لملامسة الإنسان في شتى حالاته، ومحاولة إعادته إنسانا صحيحا، حتى لو كان ذلك على المستوى النظري فقط.