13 سبتمبر 2025
تسجيليعيش المرء في حياته بين صراع يديره جماعة من المحترفين قصدهم إلحاق الضرر بالمرء ببعده عن طاعة الله عز وجل، وقد استفرغ الشيطان جهده واستخدم كافة الحيل الموصلة إلى ذلك ، وقد أحسن من قال: إني بليت بأربع يرمينني ... بالنبل قد نصبوا علي شراكا إبليس والدنيا و نفسي و الهوى ... من أين أرجو بينهن فكاكا) يا رب ساعدني بعفو إنني ... أصبحت لا أرجو لهن سواكا فالحديث عن الصراع قائم والنفس مهيأة بطبيعتها للإنصات لتلك الإغواءات المتتالية ، التي لو تركت مسلطة على المرء أهلكته، ومن رحمة الله جل وعز أنه ترك باب الرحمة والمغفرة مفتوحا، لكل نادم على ما فعل وكل مستغفر على ما اقترف ، يقول الله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53) .إنه يخبرهم جل شأنه بسعة كرمه، وجوده وحلمه ، ليحثهم على الإنابة قبل أن تأتي عليهم تلك الساعة التي لا يقبل فيها عذر معتذر ولا أوبة منيب !!وخطاب الله فيه من التلطف والإيحاء ما يبعث على سرعة العودة إذ خاطبهم بقوله { يَا عِبَادِيَ} فأنا ربكم وأنتم عبيدي، حتى لو بلغت الأمور بكم حدها الأقصى فأنا الرب الغفور، ليس لكم إله غيري ولا رب لكم سواي { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } باتباع ما دعتهم إليه النفس الأمارة بالسوء وقرناء السوء فانغمسوا في الذنوب، الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب. { لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } مع كل ما فعلتم أنا ربكم، لا تيأسوا !! بل ارجعوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فيدفعكم هذا إلى مزيد عصيان وكثرة طغيان، بل اعلموا أني أغفر الذنوب جميعا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته. ولقائل أن يقول معترضا أو منبها : كل الذنوب تغفر إلا : الشرك والقتل ، وربما يستدل على ذلك بدليلين : أما الشرك فقول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }النساء : 48. وأما القتل فقول الله عز وجل : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}النساء : 93. ويقولون: أما الآية الأولى فصريحة الدلالة في أن الشرك لا يغفر وأما الثانية فإن الله رتب عليها عقوبات خمس جاءت جميعها بصيغ الحسم: جهنم ، والخلود فيها ، وغضب الله عليه، ولعنة الله التي أصابته، والعذاب العظيم المعد له . هذا هو كلامهم ولسائل أن يسأل إذا كان ما مر من صحيحا –وليس كذلك- فهب رجلا وقع في جريمة القتل وأراد أن يتوب فأغلقنا الباب وسددنا الأمل ، ماذا عساه صاحبنا أن يفعل!! ببساطة سيتحول من قاتل محلي إلى آخر محترف، لن تردعه عقوبة طالما الرجاء في الله قد أغلقه البعض ، على أن ما قالوه مخالف للقرآن الكريم ، إذ يقول الله عز وجل في سورة الفرقان "وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } فالآية الأولى جمعت الشرك والقتل وجعلت عاقبة ذلك العذاب المهين المضاعف مع الخلود فيها ، لكنها ذكرت التوبة عقبها وأن صاحبها إن صدقت توبته مغفور له بل ومن عطاء الله عز وجل أن سيئاته تنقلب إلي حسنات وهذا من كريم عفوه وفضله ومنه على عباده.والجمع بين الآيتين ذكره غير واحد من أهل العلم ، فالشرك الذي لا يغفر والقتل الذي يغتفر ويوجب لصاحبه الخلود في النار هو ذاك الشرك الذي مات صاحبه وهو معتقدا به غير مبال بما صح من الأخبار والآثار التي تجعل صاحبها مشركا بالله ، وكذا القتل الذي لم يتحلل صاحبه منه ولم يتب ومات مكابرا معاندا يستحل دماء الناس بلا رادع يردعه من دين أو إيمان كلاهما مات على ما اعتقد من الآثام هذا هو المعني والله المستعان.