14 سبتمبر 2025
تسجيلمرةً أخرى، يعودُ التحكيمُ إلى الواجهةِ، وتُثارُ عواصفُ الانتقاداتِ حتى تصلَ إلى التشكيكِ في نزاهةِ الحُكَّامِ والتنقيبِ عَمَّا تُخفي قلوبُهُم وضمائرُهُمْ، ويتمُّ التعاملُ معهم كأنَّهُم آلاتٌ لا توجدُ في برامجِها هوامشُ للوقوعِ في خطأٍ. فقد كانَ الخطأُ التحكيميُّ لحكمِنا الوطنيِّ عبد الرحمن الجاسم فادحاً في مباراةِ الوكرةِ والغرافةِ، إلا أنَّـهُ يظلُّ خطأً فنياً اتُّخِـذَ القرارُ بشأنِـهِ في ثوانٍ معدوداتٍ، ولابدَّ من تنبيهِـهِ إليه، ومطالبتِـهِ بالتركيزِ قبل اتخاذِ القرارِ التحكيميِّ مستقبلاً. لكن، لا ينبغي اتِّخاذُهُ مَطِـيَّـةً لتفريغِ شحناتِ الانفعالاتِ في صورةٍ تجعلُ الحكمَ في موضعِ الشكَّ من حيثِ ميولِـهِ تجاه هذا النادي أو ذاك، لأنَّه، في الـملعبِ، ليس شخصاً وإنَّما هو شخصيةٌ اعتباريةٌ، مَثَلُه في ذلك كمثلِ القاضي والشرطيِّ والـموظفِ، نثقُ في نزاهتِهم، وليس لنا إلا تقييم أدائِهم وتوجيههم بلباقةٍ فقط. الـمشكلةُ في التعاطي الإعلاميِّ مع قضايا التحكيمِ أنَّـهُ، في معظمِـهِ، يُصاغُ في عباراتٍ ضخمةٍ عامَّـةٍ لا تعني شيئاً أكثرَ من كَوْنِها مجردَ حضورٍ إعلاميٍّ لقائليها، كالحديثِ عن الـموازناتِ الضخمةِ، وعن الحكمِ الوطنيِّ الذي نريدُ أنْ يُمَثِّلَنا في البطولاتِ القاريَّـةِ والدَّوليَّـةِ، دون أنْ يُقَـدِّموا رؤيةً يمكنُ البناءُ عليها، أو اتِّخاذُها مُرْتَكَزاً لنقاشٍ موضوعيٍّ يتيحُ تلافي الأخطاءِ وتطويرَ الأداءِ في الإعدادِ الفنيِّ للحُكَّامِ. والأجدى من ذلك هو مطالبةُ لجنةِ الحُكَّامِ بإبداءِ موقفِها من الأخطاءِ التحكيميةِ، وتبيينَ خُطَطِها لتلافيها والتقليلِ من حدوثِها مستقبلاً. وأيضاً، مطالبتُها بتوضيحِ رؤيتِها وقواعدِ عملِها في إعدادِ الحكَّامِ وصَقْـلِ مهاراتِهِم. أما أنْ يصمتَ الـمسؤولونَ فيها، أو تكونَ تصريحاتُهُم ردودَ أفعالٍ، فهذا يزيدُ الانتقاداتِ حِـدَّةً يدفعُ حُكَّامُنا الوطنيونَ أثمانَها الـمَعنويةَ التي لا شكَّ ستؤثِّـرُ على أدائِهِم الفنيِّ. ليسَ الـمَطلوبُ الصمتَ عن الـمقاصلِ النفسيةِ التي تُنْـصَبُ لحُكَّامِـنا إعلامياً، ولا الصمتَ عن أخطائِـهِم، ولكنَّـهُ الوصولُ إلى منطقةٍ وسطى تتلاقى فيها الأفكارُ والتحليلاتُ والانتقاداتُ والردودُ عليها بحيثُ نضعُ أساساً علمياً للصَّرْحِ التحكيميِّ الذي ننشدُ بناءَهُ، لأنَّ الإعلامَ الـمؤثِّـرَ هو الذي يقومُ بدورٍ إيجابيٍّ فاعلٍ بعيداً عن الإثارةِ والتضخيمِ اللَّذينِ لا يخدمانِ قضيةً، ولا يُحققانِ هدفاً. الحَكَـمُ إنسانٌ يبذلُ جهوداً هائلةً، بدنيةً ونفسيةً وعقليةً، في الـمُباراةِ، ونتفهَّمُ آليةَ اتِّخاذِهِ القرارَ في ثوانٍ أو جزءٍ من الثانيةِ أحياناً، لكننا نطالبُـهُ بمزيدٍ من الانتباهِ والتركيزِ في الـملعبِ، لأنَّ قرارَهُ إنْ كانَ خاطئاً فإنَّـهُ سيؤثِّرُ سلباً على جهودٍ ضخمةٍ طويلةٍ بُذِلَتِ لإعدادِ الفريقِ الذي ظُلِـمَ، وسيُعطي أفضليةً في الـمنافسةِ للفريقِ الآخرِ قد لا تتناسبُ مع أدائِـهِ الفنيِّ أصلاً.