12 سبتمبر 2025
تسجيلإنها الأحلامنعم، الأحلام، ولا شيء أقل أو أكثر.حين قاومت إعصار الحرب، ونفدت، والتحقت بالوطن البديل، كان ثمة درجة من درجات الحلم، أن يصبح وطنا بديلا، وليس ظلا معوجا، تنهار تحته القيلولة. وحين هبطت في موقف باصات السفر، في ذلك اليوم القاسي، الذي تحاول أن تنتزع منه الذكريـات المرة، تلقيها بعيدا، وتعض على ما تبقى من ذكريات جيدة، بما فيها سخاء عبد القيوم، ولهفته، وانشغاله بمحاولات رعايتها، كان ثمة درجة أخرى، من درجات الحلم، صعدت. كان ثمة نشاط مثمر، ومأوى، وعشاق بلا حصر، ولعل الدرب يأتي بغريب ممتلئ، لينتزعها، صاعدا بها درجة أو درجات إلى القمة.لكن هل الغرباء الممتلئون، يأتون من هذا الدرب عادة؟، وإن صادف وأتوا، هل يسمحون لأعينهم أن ترتدي نظرات الهيام المحتمل، وهي تطالع صانعة شاي كادحة، في موقف باصات فوضوي، مهما تألق جمالها؟هي ليست صانعة شاي على الإطلاق، ولا تذكر أنها اهتمت بالشاي أصلا في سنواتها السابقة، أو حتى كانت تشربه بانتظام، ولولا أن عبد القيوم، كبلها بتلك الوظيفة من دون وظائف أخرى ربما خطرت بباله في ذلك الوقت، لما فكرت فيها على الإطلاق. ولما التصق بها واحد مثل عبد الباسط، أو ناهوم، أو مختار سالم الملقب بالموت، لأنه عاد إلى الدنيا، ونعشه في الطريق إلى المقبرة.كان عبد القيوم، جسرا من جسور متعددة، كان لابد أن يعبر بها الحلم، والآن فهمت بجلاء، لماذا لم يكن يخطر ببالها، ساعة أن يخطر الأعزاء بالبال: كان أبوها تسفاي مديتو، المدفون في قبر بعيد جدا، يخطر لأن آثار أصابعه على وجهها، وشعرها، مازالت موجودة. أمها هيلان القروية، المدفونة بقربه، تخطر، لأن الأم حتى لو ماتت وهي تلد طفلها، سيذكرها، سيخترع لها وجها، يتذكرها به، ويخترع لها مواقف أم، يعتبرها مواقفها. إخوتها الثلاثة، الذين لا تعرف إن كانوا أحياء، أو موتى، يأتون دائما، يغنون ويرقصون، ويلعبون الكرة والجمباز، كما كانوا يفعلون وهي معهم. وفي إحدى الليالي، جاء: نحاي علولو، مدرس تنسيق الحدائق، في معهد ميكائيل عفرتو، حيث حصلت على شهادتها. علولو علمها التنسيق، وفي الوقت نفسه، احتال على قلبها بطريقة أو بأخرى، واعتقله عدة أشهر، في مغامرة حب، لم تكن منصفة لها، وهي فتاة غضة بلا أفق، يحب أو يكره، ومنصفة له، لأنه عانقها كثيرا، ولأنه افترى في تلك الأيام، وأضاف إلى طبخة الحب، بهارات من الغيرة، لم يكن من حقه إضافتها.لكن علولو أيضا، لم يكن سيئا، ولم يكن متقدما في السن، لتبتئس من عناقه. كان في عشرينيات العمر، وتلك الشعرات البيضاء التي توجد في رأسه، ليست من كبر السن، ولكن من الخوف. فقد كان علولو يخاف سبعة أشياء بعينها، وتميز في الخوف منها، أهمها: قشر الليمون الحامض، وعصير الأناناس ذو الرغوة، والطيور المهاجرة، وأحمر الشفاه الموضوع بغموض، عند بعض السيدات.