16 سبتمبر 2025
تسجيلموقف الطاغية، هو موقف ذلك الذي يقطع شجرة لكي يقطف ثمرة واحدة (مونتسكيو). دخلنا في العام الثالث من عمر مسار التغيير الذي انفجر في رحم الشوارع العربية مع نهاية 2010 وبداية 2011م، وأدى إلى تغيرات عاصفة في خريطة العالم العربي. وما زالت تداعياته مستمرة تفاجئ المحللين والمراقبين على جميع المستويات والأصعدة. ورغم التحفظ الكبير على المخرجات التي لم تكن بمستوى الطموحات التي رفعت من قبل الشباب الذي قاد الثورة والذي لم يكن ينتمي إلى أحزاب وجماعات أيديولوجية يمينية أو يسارية بل كانت مطالبه تتعلق بالحرية والكرامة والعدل، يبقى العامل الأهم هو تعرية ثقافة الاستبداد بأشكالها المختلفة التي ميزت العالم العربي خلال القرون الماضية والتي كانت تجمل وتنافح وتبيع الأوهام، وكسر الأنظمة الديكتاتورية التي جاءت بعد رحيل المستعمر وقامت بما لم يقدر على القيام به من المجازر الإنسانية والقتل والدماء والتحطيم وبناء المعتقلات والسجون، وأطاحت برموزها وشعاراتها المزيفة وعلى رأسها المقاومة والصمود والممانعة، واستبدالها بخيارات ديمقراطية وتفعيل صناديق الاقتراع، ونحن نتحدث الآن ونستبشر بالمستقبل في سوريا (بيضة القبان وأم الثورات العربية الحديثة) التي ما زالت إلى هذه الساعة تضرب بالمدافع الثقيلة وتقصف بالطائرات الحربية العسكرية التي تشحن من موسكو ويستورد وقودها من طهران ليطيلوا من عمر النظام إلى أطول مدة ممكنة. ما نحتاجه في الأيام القادمة هو التخلص من إفرازات الثقافة الاستبدادية التي كبلتنا من الناحية السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية والفكرية وكسرت من قيمة الإنسان في داخلنا. ونقوم ببناء هوية وطنية جامعة ليس عن طريق الشعارات التعبوية التي تمجد شخصاً أو جماعةً أو مذهباً أو طائفةً أو حزباً حاكماً، بل بإجراء تحولات ديمقراطية حقيقية على جميع الأصعدة لتعزيز الدعائم الأساسية التي تقوّي المجتمع المدني ومؤسساته وتؤكد حضور الإنسان في بنيته ككيان موحد وفاعل. أن نخلق ثقافة جديدة تؤمن بالحرية والعدالة والتعددية والاختلاف والتنوع والتسامح، وتقوم بالقطيعة مع ثقافة الرأي الواحد والصوت الواحد والجماعة الواحدة الناجية المخلصة النقية الطاهرة؟! الثورة مرت من هنا ويجب أن يتغير معها كل شيء. المرحلة القادمة في مسار التغيير في العالم العربي يجب أن تكون مرحلة بناء الإنسان قبل تعمير الأوطان، وكما قال شاعرنا (حين يصير الناس في مدينة، ضفادعا مفقوءة العيون، فلا يثورون ولا يشكون، ولا يغنون ولا يبكون، ولا يموتون ولا يحيون، تحترق الغابات والأطفال والأزهار، تحترق الثمار، ويصبح الإنسان في موطنه، أذل من صرصار..) نزار قباني.