11 سبتمبر 2025

تسجيل

بطالة مبطنة

23 يناير 2013

البطالة هاجس يؤرق مضاجع الدول وبالذات النامية منها، حيث تبقى كقنبلة موقوتة، قابلة للانفجار في أية لحظة، والحمد لله هي ليست كذلك بالنسبة لقطر، حيث ان نسبة البطالة فيها تعتبر قليلة إذا ما قورنت بغيرها من الدول، ولا أحد يستطيع أن ينكر سعي الدولة الحثيث في هذا الاطار لدفع عجلة التقطير وتشغيل أكبر كم ممكن من القطريين والتقليل قدر الامكان من هذه المشكلة، ولن أقول ان التقطير يسير بخطى سريعة فهو مازال متعثراً في بعض المؤسسات، التي لم تقدم رؤية واضحة عن نسبة التقطير في منظومتها، وحالياً لا أريد أن أخوض في غمار هذا الموضوع كثيراً، إذ أنني أود الحديث عن بطالة من نوع آخر، وهي البطالة المبطنة أو المقنّعة. منذ فترة كنت في زيارة مع والدتي لأحد المراكز الصحية، ولفتني منظر تكوم عدد كبير من الموظفات في قلب الاستقبال الصغير اليتيم في المركز، وأخذت أعدّهن، كن يقاربن الخمس عشرة موظفة، أغلبهن بلا مكاتب أو أجهزة كمبيوتر، بعضهن يجلسن منشغلات بالهواتف المحمولة، وبعضهن يتحدثن في مجموعات صغيرة، للوهلة الأولى ستصاب بالتشويش لكثرتهن وكثرة الضجيج الذي يصدرنه، وستتوقف تفكر من ستحدث أو من ستستدعي لترد عليك، وجميعهن لا ينظرن إليك وأنت قائم في انتظار التفات احداهن إليك، من واقع زيارتي لهذا المركز من سنوات لاحظت أن التطور كان في الممرات والديكورات، وعدد الموظفات، أما الطريقة التي تتم بها اجراءات الاستقبال فهي ذاتها التقليدية، بطاقات الأرقام مازالت مكتوبة بخط اليد، الملفات ورقية، وليس غريباً أن تسمع عن ضياع احدها دائماً، وطريقة نقل الملفات من غرفة الاستقبال إلى غرف الأطباء، كلها طرق تقليدية لا تتماشى أبداً مع تطور الوضع الصحي في قطر أو في العالم، وتساءلت هل توظيف هذا العدد من الموظفات هو نوع من التطور الذي يقوم به المركز؟! أم مشاركة في عملية التقطير؟! أم هي الواسطة؟! أم ماذا؟!! وهذا ليس حصراً على المركز الصحي، بل هناك أماكن مهنية عديدة لديها بطالة مبطنة، مدرجة على قائمة وبند التوظيف، وربما بمسمى وظيفي ولكنهم لا يعملون، ولا ينتجون شيئاً، سوى الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر والهاتف.. وهذا لا يعني أن هؤلاء لا يمتلكون قدرات تؤهلهم ليكونوا منتجين وفعالين في المجتمع، أنا متأكدة أن أكثرهم لديهم الطاقات والامكانيات، ولكنهم ركنوا إلى السلبية، لأنهم لم يجدوا من يحسن استغلال قدراتهم، ويضعهم في الأماكن المناسبة التي تتماشى مع قدراتهم، ولم يجدوا من يحفز فيهم النشاط والعمل والعطاء، ويساعدهم في اكتشاف طاقاتهم، لأن آلية العمل مازالت ضعيفة وغير مرنة وتقليدية في العديد من المؤسسات والوزارات، ربما هذا طبيعي لأنه في أحيان كثيرة التوظيف يأتي حسب (العلاقات) وليس القدرات والشهادات، بالإضافة الى أن الدورات التأهيلية والتطويرية ليست ممنوحة لجميع الموظفين، فهي أيضاً تسير بمبدأ (إن حبتك عيني ما ضامك الدهر)... لو كل مسؤول استوعب أنه حتى موظف البدالة يستحق أن يطور نفسه وقدراته وأن بالإمكان الاستفادة منه أكثر، لما وصل الحال ببعض الجهات لتكديس البشر كمياً وليس نوعياً. وأعتقد أن أنسب طريقة لتلافي هذه الظاهرة لابد أن تكون أولاً باختيار الشخص المناسب والمكان المناسب له ولقدراته، أيضاً أن يشارك القطاع الخاص في عملية التوظيف، وذلك بتقديم الامتيازات الجاذبة لهم والضمانات التي تؤمن مستقبلهم كما هو في الجانب الحكومي، وايجاد فرص سانحة ومناسبة للخريجين بما يتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم، ملاحقة الفساد الإداري، الذي يجمع ويعين تحت أجنحته من يخدم مصلحة المسؤول ويتواءم مع مزاجه دون كفاءة أو فائدة، محاولة استقطاب الشباب للمهن التي لا تلاقي الرواج كثيراً كالإعلام والصناعة وغيرها، تشجيع المشاريع وتقديم الدعم للقدرات والعقليات النشطة، هناك الكثير من الحلول لو بالفعل كان هناك مسح وظيفي لمعرفة نسبة العاملين بلا انتاج حقيقي. قبل أن أغلق نافذة هذا الصباح: لا يوجد إنسان بلا فائدة مهما صغر حجمه، فقط ضعوهم في المكان المناسب، وقوموا بإعادة تدوير للطاقات، كي تجدوا المقابل الذي يخفف عنكم عبء التخزين..