15 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر مشروع ميزانية البحرين للسنتين الماليتين 2011 و2012 الأكبر على الإطلاق في تاريخ البلاد الأمر الذي يكشف رغبة الجهات الرسمية في استمرار القطاع العام بقيادة الاقتصاد الوطني للتعافي بشكل كامل من تداعيات الأزمة المالية العالمية. طبعا، المأمول أن تتخذ مؤسسات القطاع الخاص خطوات مماثلة للاستثمار في الاقتصاد المحلي. يقتضي التوجه العالمي بنيها توصيات مجموعة العشرين بتولي القطاع العام دور القيادة لمعالجة الآثار السلبية للأزمة عبر زيادة النفقات العامة. تشكل نفقات الدولة حوالي 30 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية للقطاع العام في الاقتصاد البحريني. ومن شأن زيادة النفقات العامة المساهمة في تسجيل نتائج مرغوبة في الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي مواجهة بعض التحديات الاقتصادية خصوصا مسألة إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. إضافة إلى ذلك، غالبا ترى مؤسسات القطاع الخاص في نمو المصروفات دليلا ماديا على رغبة الجهات الرسمية بتنشيط الأوضاع الاقتصادية وبالتالي قد تقدم على خطوات مماثلة. حقيقة القول، تتميز البحرين بإقرارها ميزانية سنتين ماليتين في آن واحد لتحقيق أهداف منها منح مؤسسات القطاع الخاص فرصة معرفة اتجاهات الصرف للدولة وبالتالي التخطيط للاستفادة من مشاريع القطاع العام. بيد أنه تكمن المعضلة بعدم ضمان تحقق الأرقام المقدرة بالنظر لارتباط الميزانية بتطورات الأوضاع في القطاع النفطي.من جملة الأمور التي تميز مشروع ميزانية 2011 و2012 افتراض متوسط سعر قدره 80 دولارا للبرميل أي ضعف الرقم الذي تم اعتماده للسنتين الماليتين 2009 و2010. حقيقة القول، الخطوة لها ما يبررها لأنها تقل عن الأسعار السائدة بشكل نسبي في الأسواق العالمية والتي يتوقع أن تبقى ما بين 90 و100 دولار للبرميل خلال 2011 على أقل تقدير.ويكمن السبب الجوهري لافتراض قيمة مضاعفة لبرميل البترول للحد من مستوى العجز في الميزانية العامة. لا شك، تعاني ميزانية كل من 2011 و2012 من عجز لكن قد يرتفع حجم العجز أكبر وخارج السيطرة في حال تبني سعر منخفض لبرميل البترول. تبلغ قيمة المصروفات المقدرة للسنة المالية 2011 تحديدا 6786 مليون دولار مقارنة مع إيرادات قدرها 5802 مليون دولار ما يعني وجود عجز قدره 984 مليون دولار. تزيد النفقات المقدرة للسنة المالية 2011 بنحو 9 في المائة عن تلك المقدرة أصلا للعام 2010 الأمر الذي يؤكد ما أشرنا إليه سلفا برغبة الجهات الرسمية بالتعامل بشكل جدي مع الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية. كما ترتفع أرقام النفقات والإيرادات للسنة المالية 2012 إلى 7108 ملايين دولار و5944 مليون دولار الأمر الذي ينتج عجزا قدره 1164 مليون دولار. من جهة أخرى، تؤكد أرقام مشروع الميزانية الجديدة بأن الاقتصاد البحريني سوف يبقى تحت رحمة التطورات في القطاع النفطي رغم كل الحديث عن التنوع الاقتصادي. فقد تم اعتماد الموازنة على افتراض بأن القطاع النفطي سوف يساهم بنحو 87 في المائة من مجموع إيرادات 2011 و2012 مقارنة مع 76 في المائة في 2010. كما كشفت أرقام الحساب الختامي والتي كشف النقاب عنها حديثا بأن القطاع النفطي أسهم بنحو 83 في المائة من الإيرادات الفعلية للعام 2009. ويلاحظ في هذا الصدد بأن العجز المالي يشكل 4.1 و4.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعامين 2011 و2012 على التوالي. حقيقة القول، تتناقض هذه الأرقام مع أحد شروط مشروع الاتحاد النقدي والذي تم إطلاقه في 2010 والذي يلزم عدم ارتفاع عجز الميزانية العامة عن 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن كما ذكرنا أعلاه من شأن افتراض متوسط متدن نسبيا التسبب في ارتفاع العجز لمستويات غير مقبولة الأمر الذي من شأنه النيل من الملاءة المالية للبحرين. وكانت كل من مؤسسة ستاندرد أند بورز ووكالة التصنيف العالمي فيتش قد جددتا بشكل انفرادي في نهاية 2010 منح البحرين التصنيف الائتماني (أي) للمدى الطويل. في المقابل، أقدمت وكالة موديز لخدمات المستثمرين في صيف 2010 بتخفيض التصنيف الائتماني السيادي للبحرين من أي 2 إلى إي 3 بسبب تدهور المرونة المالية بالنظر لتعزيز نفقات الحكومة فضلا عن الارتفاع النسبي لمتوسط سعر النفط لتحقيق التوازن في المالية العامة. فحسب موديز، احتاجت البحرين متوسط سعر قدره 80 دولارا لبرميل النفط في العام 2008 مقارنة مع 30 دولارا للبرميل في 2004 للوصول لنقطة التوازن في المالية العامة. يبقى أنه خلافا للتقارير التي تصدرها ستاندرد أند بورز إضافة إلى فيتش، تتمتع التقارير التي تصدرها موديز بالكثير من المصداقية كونها تصدر بصورة مستقلة وليست نزولا عند طلب الجهات التي يتم تقييمها. وفي كل الأحوال، ليس من المستبعد أن يكون العجز الفعلي لكل من 2011 و2012 أقل من المقدر نظرا لتوقع خلفية توقع تراجع حجم المصروفات بسبب الظروف الاستثنائية والتي تشمل تأجيل إقرار الميزانية. تقليديا تصرف السلطات أقل من المبلغ المخصص للمشاريع حيث بلغت نسبة التنفيذ في السنة المالية 2009 في حدود 68 في المائة. يعتقد بأن مسألة عدم صرف المخصصات كاملة مرتبطة بتحديات مثل محدودية القدرة الاستيعابية للاقتصاد مثل صعوبة ضمان توافر مواد البناء والعدد الكافي من المقاولين لتنفيذ المشروعات التنموية. وهناك سبب آخر وهو الخوف من زيادة حدة التضخم جراء مصروفات القطاع العام. وقد عاد شبح التضخم للظهور مع بداية 2011 بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية.