15 سبتمبر 2025

تسجيل

إذا الشعب يوماً أراد الحياة

23 يناير 2011

لقد شاهدنا وعشنا بمشاعرنا في الأيام الماضية انتفاضة الشعب التونسي، ورأينا كيف اندلعت شرارة تلك الانتفاضة العارمة على يد الشعب ببساطته وتلقائيته، فعبر فيها كل مواطن مقهور ومقموع عن إرادته الكامنة، حتى تدفقت سيول المتظاهرين بشكل أذهل العالم أجمع.. وكل ذلك لأن النظام قد تناسى أن للشعب إرادة وبأن الكأس لها حد من الامتلاء ثم لابد أن تفيض... بالرغم من أن التاريخ يحمل من الوقائع ما يحذر من تجاهل تلك القوة الكامنة وذلك البركان الخامد الذي لابد أن يأتي عليه يوم ويثور فيه.. قاذفاً كل ما فيه من حمم ونيران.. تحرق ما تأتي عليه من أخضر ويابس.. لقد عانى ذلك الشعب المقهور من صعوبة العيش وقسوة الحياة.. والحرمان حتى من أدنى الحقوق المرتبطة بانسانيتهم وحقوق الممارسات الدينية والعبادات، وحرية الاختيار، وأساسيات الحياة التي تضمن لهم العيش الكريم على أرضهم وبين أهلهم.. فأصبح الحجاب جريمة تعاقب عليها من تسول لها نفسها وضعه، والمساجد جعل استخدامها ببطاقات ممغنطة وبشروط قاسية تحدد مكان السكن والمسجد المجاور له، ويوضع مستخدمها في دائرة تحت الرقابة الشديدة وتسلط عليه الأضواء، وكل ذلك لأنه من رواد المسجد.. أما عن أصحاب الشهادات والخبرات والمؤهلات العالية فلم يعودوا قادرين على إيجاد وظيفة لهم ليعيلوا أسرهم بها.. ولا ما يعملونه ليسدوا به رمق أسرهم المحرومة... حتى الأذان فقد منع بث الأذان وضيق الخناق على أهل الدين فبلغ الظلم والطغيان حده.. فغيبت السجون منهم الآلاف، وغربت الحدود أولئك الهاربين منهم من جمر المحنة والقهر، والاستيلاء على ممتلكاتهم ظلما وعدواناً، ففضلوا أن يفروا إلى ديار بعيدة وحياة غريبة، تاركين وراءهم الأهل والمال والسكن، على أن يقمعوا في بلادهم ويكبلوا بسلاسل النظام الظالم.. كل ذلك لم يكن إلا جزءاً صغيراً مماعاناه الشعب التونسي طوال تلك السنوات، وما خفي كان اعظم.. فقد أدت تلك الظروف القاهرة إلى تلك الثورة غير المنظمة من قبل أحزاب سياسية وقيادات معارضة، وإنما كان قائدها وبطلها هو إرادة الشعب التي ايجب ألا يستهان بها مهما كبلت بأصفاد فولاذية، او قمعت بمقامع من حديد.. فخرج الشعب عازماً على أن ينتزع حقوقه المسلوبة من بين أنياب الطغاة. إن الدرس التونسي درس قاسٍ وبليغ وحاد يجب على الطغاة استيعابه، فإرادة الشعب وحركته هي التي ترسم مسار التاريخ في نهاية المطاف، وقوة الحق هي اليد التي ترتفع عند نهاية المضمار.. فلا داعي لأن يستبد الطغاة حتى يجعلوا من أجساد الشباب المحترقة فتيلاً لقنبلة تفجر عروشهم.. لأن الحق لا يحتاج لشهادات وفاة وحوادث انتحار حتى يرجع لأصحابه، وإنما يكفي لاسترجاعه تلك الإرادة الصادقة التي تحرك الأحياء.. وصوت هتافهم المزلزل وهم يرددون: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر