13 سبتمبر 2025

تسجيل

الكذب الاستحواذي عند الأطفال

22 نوفمبر 2011

مر بنا في المقالات السابقة ما قد لا يعلمه بعض الآباء من تصرفات أولادهم فيحكمون على ما ظاهره الكذب وهو ليس كذلك، وذكرنا أن المعرفة بتلك الأنواع بل وبطبيعة الولد كاملا أمر واجب على الآباء ينبغي أن يتعلموه ثم يجب كذلك أن يتعاملوا مع الظواهر السلبية بلطف وليونة، وأن يتعامل مع الأخطاء في حجمها الحقيقي فلا تضخم أكثر مما ينبغي حتى لا يكون ضررها أكثر من نفعها. وذكرنا أن علماء النفس والسلوك قسموا الكذب عند الأطفال إلى عدة أقسام منها: الكذب الخيالي، الكذب الالتباسي، الكذب التعويضي، كذب الاستحواذ، كذب المحاكاة (التقليد)، الكذب لجذب الانتباه، كذب الكراهية والانتقام، كذب الخوف من العقاب (الكذب الدفاعي)، الكذب لمقاومة السلطة، الكذب الاجتماعي، الكذب المرضي. وذكرنا أن أغلب هذه الأنواع لا يعد كذبا بالمعنى الاصطلاحي لمعنى الكذب، ولا ينبغي أن يوصف مرتكبه بأنه كذاب أشر! أو ينعت بفلان الكذاب! أو ما إلى ذلك من الصفات التي تلصق بالفاعل حتى تكون أحيانا علما عليه، وهي في الغالب الأعم تضر أكثر مما تنفع، وقد مر بنا الحديث عن الكذب الخيالي والكذب الالتباسي واليوم نتحدث عن الكذب الاستحواذي وهو نوع من أنواع ردة الفعل العنيفة التي تجعل الطفل يستحوذ على ما ليس له مدعيا أنها ملكه، وهذه النوع كثيرا ما نراه عند الأطفال الذين يعاملون من قبل أوليائهم بقسوة أو يعانون دوما من انعدام الثقة بينهم وبين آبائهم، أو حرمانهم من أشياء كثيرة يرغبون في امتلاكها. فيكون الطفل تحت تأثيرين: تأثير حب الامتلاك وتأثير الخوف من والديه ساعتها يضطر إلى الكذب لا على أنه كذب في ذاته ولكنها حيلة استعمل فيها ذكاءه أو هكذا يظن للوصول إلى هدفه دون أن يعاقب ولنضرب على ذلك مثالا: أراد طفل من والديه دراجة، فرفض الأبوان هذا الأمر خوفا عليه، أو ربما لأنه لا يحسن قيادتها، أو لأي سبب يعلمه الأبوان ويجهله الطفل، وخشي الولد أن يكرر طلبه حتى لا يعاقب فهو يخشى قسوة تحكم البيت، حينئذ تستحوذ عليه فكرة امتلاك الدراجة التي أضحت ممنوعة فكثرت الرغبة فيها وصارت هدفا عند الطفل لابد من تحقيقه، وبأية وسيلة لأنه يعتقد بأن ما فعله الوالدان به ما هو إلا لون من ألوان التسلط والقهر، فيلجأ هنا إلى الحيلة والتي تفسر على أنها لون من ألوان الكذب لكن الطفل لا يقصده وإنما لجأ إليها لامتلاك ما يراه حقا شرعيا له، فيأتي إلى أبويه مثلا ليقول لهما: كل الأولاد في الصف أتوا بدراجاتهم إلى المدرسة إلا أنا جلست في مكان بعيد أبكي ورآني الأولاد وأخذوا يسخرون مني وينسج قصة هي خيالية لكنه عاشها في مخيلته حين استحوذت عليه تلك الفكرة، أو ربما يأتي إليك ليخبرك بأن له صديقا مريضا وأن مدير المدرسة طلب أن يأتي كل طالب بهدية له فقد يأتي إليك قائلا إن مدير المدرسة طلب من الأولاد شراء قميص بمواصفات معينة (التي يريدها) أو يأتي ليخبرك بأن له صديقا مريضا ويحتاج إلى علاج وأنه وزملاءه قرروا مساعدته ببعض الأموال، أو أن مدرسه أخبرهم بأن يأتوا ببعض الأموال لتجميل المدرسة. الهدف بالطبع شراء ما منع منه وامتلاكه ولو بعض الوقت لأنه يدرك أنه لن يستطيع أن يمتلكها دائما. وإذا كان السبب في فعل الطفل كما أشرنا سابقا القسوة أو فقد الثقة لأن الطفل حين يفقد الثقة في البيئة المحيطة به ويشعر بالحرمان يميل كذلك إلى هذا النوع من الكذب لامتلاك أكبر قدر من الأشياء التي يرغب فيها. وهذا النوع من الأنواع المؤهلة لأن تكون كذبا مرضيا يصعب التخلص منه إذا استمر الأمر وتفاقمت المشكلة من غير علاج الكذب خطير إذا استمر دون علاج. وعلاج هذا النوع من الكذب يكون في الاقتراب من الطفل وتأمينه وعدم إرهابه وإشعاره بأن الثقة بينه وبين والديه كاملة غير منقوصة، وأن الامان لن يجدهما إلا في حضن أبويه مع تفهم حاجياته حتى لا يضطر إلى الاحتيال للحصول عليه، ولا يعني ذلك اعطاء الولد كل ما أراد وكل ما طلب الجيد والردئ المهم وغير المهم فهذا كذلك خطأ، بل جلب ما يفيده، وترك ما لا يفيده بعد تبين المراد من ذلك له، والحكمة هنا في تفهم الآباء لحاجيات الطفل وما يصلحه. نسأل الله أن يهدي أبناءنا لما فيه مصلحتهم وأن يبارك فيهم وأن ييسر لهم أمورهم.