17 سبتمبر 2025

تسجيل

إِن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله

22 أكتوبر 2023

عاملان يكشفان مخابئ النفوس وطبائع القلوب ودرجات الغبش فيها والصفاء؛ الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة! هما يفرزان الناس فرزا، ويظهران درجة الثقة بالله أو القنوط منه، ودرجة الاستسلام للأقدار الغالبة أو الانبطاح للأهواء الزائفة! وإن ما يجري اليوم في فلسطين أحد تلك الحلقات الكاشفة والممحصة معا، فيها ينصهر الناس صهرا، فيظهر الصادق من الدعي، والأصيل من المزيف. الصادق مدرك أن الصراع حتمية يفرضها الواقع ويوجبها الشرع. - مؤمن بأن من احتلت أرضه ودنست مقدساته يجب عليه العمل على استعادتهما معا، يفعل ذلك وهو مدرك أن هذا الطريق طويل، وأن التضحيات في سبيله كبيرة ومؤلمة. - موقن بأن طالب الحق لا يعبأ عند طلبه بالتضحيات وإن كثرت. - معتقد بأن الحق معه، والنصر حليفه، والمبذول مهما غلا رخيص في سبيل قضيته وعقيدته. - مبصر عن قرب علو أمته المنتظر الذي وعد الله به (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) - متصبر على الآلام التي يتجرعها ليل نهار، لأنه تعلم من كتاب الله أمرين: الأول: أن الشهادة منحة ربانية تحتاج إلى بذل وتضحية قال الله: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) والمعنى: إن يمسسكم القتل والجراح يا أهل الحق فقد مس القوم من أعدائكم قتلٌ وجراح مثله، تلك المعالجة النفسية، ثم تأتي البشارة بقول الله: (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ) وهو تعبير عجيب ودال على معنى عميق يبرز حقيقة واحدة: إن الشهداء مختارون! يختارهم الله من بين المجاهدين، ويتخذهم لنفسه - سبحانه - فأين الرزية إذن أو الخسارة! إن أجَل الشهيد بموته قد نفذ، فعوضه الله بتلك الميتة أخرى شريفة، هكذا رد القرآن على بعضهم حين سأل ذات السؤال، قال الله: (..... وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ‌لَبَرَزَ ‌الَّذِينَ ‌كُتِبَ ‌عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ). الثاني: أن رجاء أهل الحق مختلف عن غيرهم، وإن اشتركا في الألم، قال الله: (.... إِنْ تَكُونُوا ‌تَأْلَمُونَ ‌فَإِنَّهُمْ ‌يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) ولا أدل على تفسير هذا الرجاء من تلك الواقعة التي ذكرها ابن عباس رضي الله عنه حين قال: لما كان قتال (أحد) صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم الجبل، فجاء أبو سفيان فقال: «يا محمد، ألا تخرج؟ ألا تخرج؟ الحرب سِجَال، يوم لنا ويوم لكم». فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أجيبوه. فقالوا: «لا سواء، لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار». فقال أبو سفيان: «عُزَّى لنا ولا عُزَّى لكم» فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا له: «الله مولانا ولا مولى لكم». قال أبو سفيان: «أُعْلُ هُبَل، أُعْل هبل»! فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا له: «الله أعلى وأجل»! فقال أبو سفيان: «موعدنا وموعدكم بدر الصغرى» ونام المسلمون وبهم الكلوم. قال عكرمة: وفيها أنزلت: «إِنْ تَكُونُوا ‌تَأْلَمُونَ ‌فَإِنَّهُمْ ‌يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ» أي أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد، وهم لا يرجون شيئا من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة في إقامة كلمة الله وإعلائها. إن الشهيد اليوم قد فاز، وغيرهم هم في دائرة الابتلاء، فإما خذلان للحق أو نصرة له، كما قال صلى الله عليه وسلم (ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته) إن نصرة قضية فلسطين اليوم بالدعاء، والمساندة المادية، ومقاطعة من يدعم عدوهم، ونشر قضيتهم: هو الواجب المنتظر اليوم من كل مسلم. فاللهم انصرهم وثبتهم وأعنهم ولا تعن عليهم.