19 سبتمبر 2025

تسجيل

التعاون الاقتصادي الخليجي- الكوري

22 أكتوبر 2014

خيراً فعلت دول مجلس التعاون الخليجي بالتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق مع كوريا الجنوبية ينظم لحوار استراتيجي بين الجانبين يناقش قضايا التجارة والطاقة والدفاع. تم التوقيع على مذكرة تفاهم بهذا الصدد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. اللافت في الأمر المجالات الواسعة التي تغطيها المذكرة حيث تشمل الطاقة الجديدة والمتجددة، والتعليم، والتمويل، والبيئة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وصناعة الدفاع، ومحطات الطاقة. وعليه، تتعدى الاتفاقية الحديث حول التعاون الاقتصادي والتجاري لتشمل أبعاد استراتيجية شاملة. أيضا، ليس أمرا مستغربا تأكيد الطرفين على مواصلة المحادثات بغية إبرام اتفاق للتجارة الحرة بعد سنوات من الرغبة لتحقيق هكذا هدف. في الواقع، يأتي الحديث حول تجديد محادثات اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية مثيرا بعض الشيء على خلفية قرار اتخذته الأمانة لدول مجلس التعاون قبل عدة سنوات يقضي بتعليق السعي لإبرام اتفاقات حديثة لمشاريع التجارة الحرة مع أطراف أخرى بقصد تقييم فوائد المعاهدات المبرمة مع جهات أخرى. بالعودة للوراء، وقعت دول مجلس التعاون الخليجي وبصورة مجتمعة أول اتفاق للتجارة الحرة مع سنغافورة أواخر عام 2008. وفي عام 2009، وقعت المنظومة الخليجية اتفاقا آخر للتجارة الحرة وهذه المرة مع جهة أوروبية وتحديدا الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة والتي تضم سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين. طبعا، تسعى دول مجلس التعاون ومنذ فترة سنوات للتوصل إلى اتفاق للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والذي يضم في الوقت الحاضر 28 بلدا. لكن واجه هذا السعي الحثيث عقبات من البداية تتعلق بتجديد طلبات الجانب الأوروبي لتشمل أمورا مثل تحقيق إصلاحات سياسية فضلا عن وضع حد للدعم الرسمي المقدم لبعض السلع الاستراتيجية مثل الألمنيوم والبتروكيماويات. ويمكن تفهم حجة الاتحاد الأوروبي لأن الدعم يوفر مزايا تنافسية للمنتجات الخليجية مع المنتجين المحليين في دول الاتحاد الأوروبي. استمرارا لموضوع الدخول في شراكة مع كيانات أخرى، وقعت دول مجلس التعاون الخليجي في النصف الأول من 2010 مذكرة مع مجموعة الكوميسا أو دول السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا تتعلق بالتعاون الاقتصادي. حقيقة القول، تعتبر مجموعة الكوميسا ضخمة حيث تضم 19 عضوا تسيطر على 40 بالمائة من مساحة القارة السمراء، ويبلغ العدد الكلي للسكان لهذه الدول قرابة 400 مليون نسمة. بيد أنه قررت دول مجلس التعاون الخليجي في أواخر عام 2010 وبصورة مفاجئة وقف البحث عن اتفاقات جديدة للتجارة الحرة لغرض تقييم إيجابيات وسلبيات الصفقات القائمة لكن من دون تحديد سقف زمني لفترة المراجعة. لكن الملاحظ أن مذكرة التفاهم حول الحوار الاستراتيجي مع كوريا الجنوبية تغطي أمورا تتضمن الطاقة والدفاع وليس فقط التجارة. من المنطقي بالنسبة لكوريا الجنوبية السعي لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول مجلس التعاون بالنظر للإمكانات المختلفة والمتشعبة للمنظومة الخليجية دونما إهمال مسألة إحصاءات التجارة البينية. فوفقا لأرقام 2013، تساهم كوريا الجنوبية بنحو 18 بالمائة من الفائض التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي. وقد حدث هذا رغم استحواذ كوريا الجنوبية على 8 بالمائة من التبادل الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي. ويعود الأمر بكل تأكيد إلى استيراد كوريا الجنوبية لمصادر الطاقة من دول مجلس التعاون. لكن يتوقع أن تؤثر ظاهرة تراجع أسعار النفط على نتائج التبادل التجاري بين الطرفين في2014 لمصلحة كوريا. وهذا يعني بأن كوريا الجنوبية تأتي في المرتبة الثانية بعد اليابان كمصدر للفائض التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي. وحدها شكلت اليابان 12 بالمائة من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي لكنها أسهمت بنحو 28 بالمائة للفائض التجاري للمنظومة الخليجية. بالنسبة لكوريا الجنوبية، يوفر الاتفاق فرصة لتعزيز العلاقات القوية أصلا مع دول مجلس التعاون الخليجي. وليس من الخطأ الزعم بأن المنظومة الخليجية تمارس مبدأ التجارة الحرة، والسماح للاستيراد والتصدير دون عوائق، وهي من الخصائص النادرة في هذا العصر، حيث الحماية التجارية على أشدها في أماكن أخرى تحت ذريعة حماية المنتجات المحلية مع أن الحماية تتسبب بإلحاق ضرر للمستهلكين من خلال حرمانهم من حرية الوصول للمنتجات. تشير الإحصاءات المتوافرة بأن حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي بصورة مجتمعة يبلغ نحو 1.65 تريليون دولار أي المرتبة رقم 12 دوليا. في المقابل، يبلغ حجم الناتج المجلي الإجمالي الكوري قرابة 1.13 تريليون دولار ما يعني المرتبة 12 دوليا. بكل تأكيد الفرصة مؤتية لتعزيز العلاقات التجارية عبر الاستفادة من الفرص المتوافرة بين الجانبين. من جهة، لا يمكن أن تفوت الشركات الكورية حقيقة مفادها بأن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تشهد طفرة اقتصادية عبر منح عقود تجارية في إطار استعداد دبي لاستضافة أكسبوا 2020 من جهة واستضافة قطر لكأس العالم 2022 من جهة أخرى. بدورها، تتمتع كوريا الجنوبية بمزايا خاصة من قبيل إعفائها لمواطني دول مجلس التعاون من تأشيرات الدخول ومن دون فرض أية رسوم عند نقاط الدخول. شخصيا، جربت ذلك عندما زرت كوريا الجنوبية في شهر سبتمبر حيث كان من السهل لي ملاحظة توافد أعداد كبيرة من رعايا دول مجلس التعاون للعاصمة سيئول. مؤكدا، لا يمكن اعتبار توقيت التوقيع على الاتفاق حول الحوار الاستراتيجي مع كوريا الجنوبية بريئا بالنسبة لدول مجلس التعاون، على خلفية خطر الحركات المتطرفة في المنطقة. بقي علينا أن نعرف فيما إذا كان التحرك باتجاه كوريا الجنوبية يبشر بعهد جديد في العلاقات الخارجية للمنظومة الخليجية مع آسيا بالنسبة لقضايا التمويل والطاقة والدفاع أم حالة خاصة. ربما تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي لمذكرات تفاهم مع عمالقة آسيا مثل الصين واليابان والهند شبيهة بالاتفاق مع كوريا الجنوبية وبالتالي تعزيز موقعها الدولي.