27 سبتمبر 2025

تسجيل

شارع... انحنت عليه البيوت

22 أكتوبر 2012

ينتمي الشاعر السوري فايز العباس إلى جيل باكورة الألفية الثالثة، التي قدمت إلى المشهد الشعري السورية مجموعة شعراء مجيدين، نالوا عدداً من الجوائز المحلية والعربية: " صلاح الحسن، حسين الخطيب، حسن إبراهيم، حكمة شافي، صدام العبد الله....وغيرهم ". الجيل الأكثر قرباً من تحولات سورية في خضم ثورتها الماضية من أجل الحرية والكرامة. جغرافياً؛ ينتمي فايز إلى منطقة دافئة في الحراك المستمرّ، وفي مدينة القامشلي ذات التكوين الديمغرافي المتميّز، حيث تتعايش بمحبة قوميات عرقية مختلفة (العرب ـ الكرد ـ السريان ـ الأرمن....)، رغم تيارات استقطاب تشتدّ وتهدأ بحسب المناخ السياسي. كان فايز العباس من أوائل الشعراء الذين انتصروا للثورة، وسجلت قصائده وقصاصاته على (حائطه) في الفيسبوك تضامناً مع المدن المنكوبة والمطالب المحقّة، واستطاع أن يغترف من معين الحالة نصوصاً تنتمي بجدارة إلى قصيدة الومضة التي عكف على قراءتها نقدياً الصديقان أديب حسن وهايل الطالب. وفي يومياته الممتدة أشهراً يمكن لزائر صفحته أن يقرأ نصوصاً معجونة بالواقع الساخن، إذ يتشكل معجمه في هذه النصوص من مفردات الراهن: " نزوح ـ قصف ـ طائرة ـ قناص ـ برميل ـ هدنة...إلخ". وذلك في قصاصات شعرية تحمل بداهة الشعري وقوة الإدهاش وبلاغة العادي: "لسنا من أصحاب الفيل / غير أن طيور البراميل / تحاول جعلنا عصفا مأكولا". في مقارنة ماكرة بين حالين محمولتين على سؤال الاشتباه ووجع المفارقة. فثمة أسرة سورية جديدة أفرادها: " قذيفة، صاروخ، رصاصة، برميل، قنبلة أهلا بك في عائلة الموت /هنا سوريا ". ولأن الموتى يتحولون إلى نجوم في حكايات الشرق فإن الشاعر يقارب الحالة بومضات غاية في الشعرية: "كل مساء ترتفع السماء إلى سوريا لتأخذ حصتها من النجوم"، وفي قصاصة أخرى ينذر من نفاد المجموع البشري في ظل تنامي عدد الشهداء في حصالة الموت اليومية: " عندما ننتهي من ثورتنا / سيعد السوري النجوم في سمائه قائلا: أبي، أمي، أخي، أختي، صديقي، ابن جاري،...إلخ إلخ". متهكماً من دعاة المرحلة الانتقالية: "الموت مرحلة انتقالية بعدها سنبني دولة من نجوم". لكن فايز الثائر هو فايز العاشق الذي لا ينسى نصيبه من الوجد والفقد، وفي قصاصاته أيضاً ثمة أنثى حاضرة في الغياب، يرسمها كرومانسي عتيق على جرار انتظاره: " عندما تتراقص الشمعة؛ أدرك أن طيفك يحوم حولي"، غير بعيد عن لبوس الثائر، فالثورة والحب عند فايز لا يفترقان: "أنتظرك في الأرض/ فإذا سبقك إليّ قناص الحي فسأنتظرك في السماء". يؤنسن فايز كائناته وتأخذه فكرة البيوت التي تتهدم جراء القصف، فيرسم بيوته في صور متلاحقة مختلفة، تتحاور عناصرها لتصرخ فينا ذائقة الشعر، وسذاجة الإنساني: تباً للحرب ومرحى للشعر: " يصرخ جدار البيت ألا تقع أيها المسمار/ سيعودون ليعلقوا لوحة أو صورة أو حزمة من أعواد الحرمل". ليعود مرة أخرى موسعاً إطار المشهد.. موثقاً سيرة المكان، في تفسير آخر لسيرة القصف اليومي: " كلما اغتالوا شارعاً / انحنت عليه البيوت".