13 سبتمبر 2025
تسجيلكنت وما زلت من المغرمين بكتابة السيرة، وأعني بها كتابة أحداث ومواقف مررت بها ذات يوم، سواء أثناء ممارستي لعملي الطبي أو عملي الكتابي، وهذا ما فعلته في سيرة الوجع التي سجلت فيها فترة خصيبة من تاريخي الشخصي في مدينة طوكر في أقصى شرق السودان، وكنت أسميها: البلدة البعيدة، وكتابي مرايا ساحلية عن طفولتي في مدينة بورتسودان الساحلية أواخر ستينيات القرن الماضي، وقلم زينب، وهو آخر كتبي السيرية، ويتحدث عن تلك الفترة التي عملت فيها بقسم النساء والتوليد بمدينة بورتسودان، وكانت أيضا فترة لها أثر كبير في التكوين المعرفي بعد ذلك.ولما كنت أفصل دائما بين الرواية والسيرة، بمعنى أن أكتب على النص رواية، إن كان كذلك، وعلى نص السيرة بأنه سيرة حتى لو لامست لغته الرواية أو اتخذ بناءها، فإن القراء دائما ما يسألون عن عدم وجودي داخل الروايات، وأنهم طالما بحثوا عني ولم يجدوني، وحقيقة هذه ليست ميزة، وإنما منحى من مناحي الكتابة، وكثير من الكتاب العظماء كتبوا رواياتهم من وحي سيرهم الشخصية وأخرجوها لمتعة القراءة، ويوجد كتاب مثل الروائي الراحل أرنستو ساباتو، كانوا يكتبون روايات متخيلة وينشرونها باعتبارها سيرا ذاتية، إمعانا في تشويق القارئ وربطه بالكاتب غير الموجود حقيقة داخل نصه المتخيل، لكن هل كل ما نكتبه باعتباره سيرة هو حقيقي فعلا؟، وإننا لا نفعل مثل ساباتو ونكتب السير المتخيلة؟بالنسبة لي أؤكد تماما أن ما أصنفه سيرة فهو سيرة، ليس بالطبع بنفس الأسماء التي واكبت حدوث الموقف، ولكن كل التفاصيل الأخرى حقيقية، ولطالما واجهتني ضغوطات من مخيلتي أثناء الكتابة بأن أتدخل وأضيف بعض التوابل على أحداث ما، ودائما ما أقمع تلك المخيلة، وأواصل الكتابة عن واقع صرف عشته ذات يوم وعاشته شخوص العمل.بالتأكيد يبدو الأمر مغامرة كبيرة أن تكتب حياة آخرين من دون إذن، أو تسجل حدثا معينا ما كان يظن أنه سيسجل ذات يوم، وربما تحدث مشاكل كثيرة من جراء ذلك، وهذا بالضبط ما جعل الكثير من الكتاب يحجمون عن كتابة السيرة، أو يكتبونها مع التعديل باعتبارها رواية، وقد قرأت كتاب بائع الكتب في كابل، وكان سيرة لعائلة سلطان بائع الكتب الأفغاني الذي يملك مكتبة في وسط كابل وعائلته، كتبتها صحفية أمريكية عاشت بينهم لمدة عام تقريبا، واقتربت من خفاياهم ومن خلال تلك السيرة نبشت أفغانستان في عهد الطالبان نبشا شديدا، وسعى بائع الكتب الذي وافق على كتابة أسرته في هذا الكتاب من قبل إلى مقاضاتها بعد أن انتشر الكتاب عالميا، باعتبارها انتهكت خصوصية عائلة محافظة وعرضتها للعالم. وتجد في السير العربية أمورا مشابهة ذهب فيها البعض إلى القضاء ولم يذهب البعض الآخر..