07 أكتوبر 2025
تسجيلتتميز المملكة العربية السعودية من بين دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذها خطوات استثنائية لتنظيم سوق العمل. الإشارة هنا إلى مشروع نطاقات الحكومي والذي دخل حيز التنفيذ حديثا. من جملة الأهداف، يهدف المشروع إلى تنظيم وبالتالي إصلاح سوق العمل من خلال الضغط على مؤسسات القطاع الخاص من أجل توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين. يتعلق الخيار بمنح أو الحد من إعطاء تأشيرات للعمالة الأجنبية بناء على مستوى توظيف المواطنين السعوديين. حقيقة القول، يتمتع القانون بقدر من الواقعية من خلال المطالبة بتوفير نسب للعمالة الوطنية في القطاعات المختلفة تتوزع ما بين 6 في المائة في قطاع الإنشاءات و30 في المائة في مجال الخدمات المالية و50 في المائة في القطاع النفطي. ويلاحظ في هذا الصدد بأن النسبة المطلوبة لتوظيف المواطنين في قطاع الخدمات المالية ليست مرتفعة بالنظر لطبيعة العمل في هذا القطاع والذي يتميز بتقديم رواتب وحوافز مالية وفرص للترقية وبالتالي قدرته على استقطاب عمالة محلية. في تفاصيل برنامج نطاقات، تحصل الشركات على حوافز أو جزاءات لقاء توفيرها لفرص العمل للمواطنين. فهناك الدرجة الممتازة من ضمن أربع درجات تتضمن إمكانية الحصول على تأشيرات جديدة للعمالة الأجنبية بيسر لكون هذه المؤسسات ملتزمة بمستوى كاف من فرص عمل للمواطنين. أما أسوأ درجة فهي التي تقع ضمن اللون الأحمر حيث يتم إخضاعها لجملة من الجزاءات بما في ذلك وضع عراقيل أمام إمكانية الحصول على تأشيرات جديدة بسبب ضآلة مستوى التوظيف المحلي. لا شك، يمكن معرفة وجود دافع جوهري وراء طرح مشروع نطاقات وتحديدا مواجهة معضلة البطالة في أوساط المواطنين والمقدرة بنحو 10 في المائة. وليس من الخطأ ربط مسألة البطالة بشكل جزئي بإصرار المواطنين في الحصول على وظائف تتناسب وتطلعاتهم من حيث نوعية الوظائف والرواتب وفرص الترقية وظروف العمل. يتلخص التحدي الأبرز في السعودية بتوفير مستوى كاف من فرص عمل للشباب. يعتقد بأن نحو 40 في المائة من المواطنين هم دون 15 عاما ما يعني بأن عددا غير قليل منهم سوف يدخلون سوق العمل لسنوات متتالية بحثا عن وظائف مناسبة. وما يبعث على القلق عبارة عن تشكيل الفئات العمرية الشابة السواد الأعظم من العاطلين في السعودية. بل تتركز البطالة في الفئة العمرية ما بين 20 إلى 24 سنة حيث يمثلون فيما بينهم نحو 40 المائة من العاطلين. وحسب الإحصاءات المتوفرة فإن غالبية العاطلين من الذكور وتحديدا 47 في المائة هم من الفئة العمرية 20 حتى 24 سنة والفئة العمرية 25 إلى 29 سنة بالنسبة للإناث. اللافت بأن السعودية تعاني من بطالة في ظل وجود تواجد نوعي للعمالة الأجنبية. يعتقد بأن هناك أربعة من العمال الأجانب مقابل مواطن واحد ضمن القوى العاملة. ويعود الأمر بالضرورة لرغبة مؤسسات القطاع الخاص بتوظيف الأجانب على حساب المواطنين. تشمل أسباب توظيف الأجانب أمورا مثل الإنتاجية فضلا عن الكلفة. يتطلع المواطن السعودي لوظيفة تمنحه راتبا مجزيا يتناسب وحجم نفقات المعيشة وهي مسألة ليست بالضرورة صحيحة مع العامل الأجنبي. من جهة أخرى، يعتقد بأن الحجم الفعلي للبطالة ربما يكون أقل بالنظر لقدرة عدد كبير من المواطنين في الحصول على فرص عمل خلال موسم الحج وعمرة شهر رمضان مقابل عوائد غير عادية. على سبيل المثال، يقوم بعض المواطنين بتأجير منازلهم والبعض الآخر سياراتهم لصالح الحجاج مقابل عوائد مالية مجزية. كما هو الحال مع باقي دول مجلس التعاون الخليجي، يشتهر الاقتصاد السعودي بعدم فرض أي ضرائب على الدخل الأمر الذي يحد من إمكانية معرفة العوائد الفعلية للأفراد. على صعيد آخر، ينتظر أن يدرس باقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي مشروع نطاقات السعودي وفرضية نجاحه. لكن لا يتوقع تطبيقه بالضرورة منذ الوهلة الأولى في الدول الأخرى بالنظر لتباين الأوضاع الاقتصادية في كل دولة. مؤكدا، لكل دولة ظروفها الاقتصادية سواء بالنسبة للفرص أو التحديات. على سبيل المثال، ليس من المناسب الحديث عن بطالة في أوساط المواطنين في قطر والحال كذلك في الإمارات. في المقابل، يتوقع أن يبقى الطلب على العمال الأجانب قويا خلال المستقبل المنظور. ودليلنا على ذلك الفرص والاستثمارات الاقتصادية المتنوعة في دول مجلس التعاون. حديثا أشار تقرير لبنك قطر الوطني لفرضية إيجاد 120 ألف وظيفة سنويا للعامين القادمين من أجل تنفيذ مشاريع ترتبط باستضافة البلاد لكأس العالم في العام 2022. وعلى هذا الأساس، سوف يتخطى عدد السكان في قطر حاجز المليونين نسمة نهاية العام الجاري. فهناك حديث حول استثمار أكثر من 100 مليار دولار على مشاريع تنموية في قطر في إطار الاستعداد لاستضافة الحدث الكروي بما في ذلك مترو الدوحة بكلفة مالية قدرها 18 مليار دولار. وطالما الحديث عن مشاريع المترو، بدأت السعودية عملية إنشاء مترو الرياض بقيمة تزيد عن 22 مليار دولار ما يتطلب توفير فرص عمل ضخمة. ومن شأن هذه المشاريع التعزيز التنموية الضخمة تعزيز فرص العمل للعمالة الأجنبية والذين يشكلون غالبية القوى العاملة في الدول الست بلا استثناء. حاليا يشكل الأجانب الأكثرية الساحقة للسكان في ثلاث دول خليجية وهي قطر والإمارات والكويت. إضافة إلى ذلك، تبين حديثا بأن الأجانب يشكلون 52 في المائة من السكان في البحرين. مؤكدا، العمل في الاقتصادات الخليجية أمر مجز بالنسبة للعمالة الأجنبية بدليل إرسالهم قرابة 80 مليار دولار في العام 2012. تفصيليا، قام الأجانب بإرسال 32 مليار دولار من السعودية أي أكثر من 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة أي الأعلى دوليا من حيث النسبة لحجم الاقتصاد.