15 سبتمبر 2025

تسجيل

ودنا بالطيب..

22 سبتمبر 2011

وردتني رسالة على بريدي الإلكتروني من أحد القراء الأعزاء يقول فيها: أ. عبير لا أستطيع أن اصف مدى إعجابي بجميع ماتطرحينه من مواضيع على صفحات هذه الجريدة المميزة، وقد أثقل عليك بموضوعي هذا ولكن كلي أمل بأن تلبي طلبي، والموضوع هو أننا أصبحنا في زمان طغت قسوة القلب فيه على الطيب، وتاهت المبادئ فيه في متاهات الدروب، فلماذا غدا الزمان بهذه الصورة؟! وحل الغدر مكان الوفاء، وضاعت المشاعر على حساب الماديات، ولم يعد فينا من يشعر بأخيه ولابصاحبه، وإن سقط أحدنا في يوم ودارت عليه الدوائر أسرع كل من حوله ليغمد خنجره في ظهره (إذا طاح الجمل تكثر سكاكينه) ولم يجد من يمد له يده ليقيل عثرته.. لماذا تسود شريعة الغاب بين البشر ولايتذكر هؤلاء القساة أن الأيام دول.. والدنيا يوم لك ويوم عليك؟! أرجو أن تطرحي موضوعي وتجيبي على تساؤلاتي، وتقبلي تحيات أخيك........ أردت أن أجيب هذا القارئ الفاضل برسالة على بريده الإلكتروني ولكن لامس صدى هذا الموضوع شواطئ وجداني فأحببت أن أجيبه على صفحات جريدتنا الغالية فأقول: أخي العزيز... بادئ ذي بدء، أحببت أن أذكرك بأن العيب ليس في الزمان ولكن فينا نحن: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا.. فالزمان ليس هو الملام، وإنما نحن، لأننا غيرنا مابأنفسنا فغير الله علينا. ولن يغير الله ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا (إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). ولاتترك تلك النظرة السوداء والتشاؤمية تسيطر عليك، فالخير موجود في هذه الأمة إلى يوم الدين، وكما التقيت بتلك النماذج اللا إنسانية في حياتك، فلابد أن تجمعك الأقدار بأناس تنبض بالطيب قلوبهم، وإن قصرت أيادي المشاعر عنك فيما مضى، فلا بد أن تفتح عينيك يوماً لتجد من يضمد جراحك ومن يقيل عثراتك كما ذكرت، وإذا زرعت فلابد أن تحصد مهما طال الزمن. وما أستطيع أن أقدمه لك هو حكمتي التي أرددها دوما في حياتي وأخطها على دفاتري وأوراقي: (إن أجمل الأيام يوم لم نعشه بعد، وأجمل البحار بحر لم تطفه أشرعتنا بعد). فليكن أملك دوما بغد أفضل وسنوات أحلى وأجمل.. وبأماكن ترسمها في مخيلتك لم تطأها قدماك بعد، ولم تصلها مراكب سنواتك.. حتى تستطيع التغلب على تلك الاحباطات التي تعايشها يوما بيوم. ولئن نسيت فلا أنسى أن أذكر من غرته دنياه وقسا قلبه، وجعل شريعة الغاب مبدأه فأسرع ليغمد خنجره في ظهر من أسقطته أقداره في حفرة المحن، بأن هذه الدنيا زائلة والأيام دول، (إفعل ماشئت كما تدين تدان)، وأننا جميعا وفي صباح كل يوم تشرق شمسه علينا لانعرف مايحمله لنا من ألم أو أمل، ولانعرف أين سيقف بنا دولاب ذلك اليوم، في الأعلى أم في الأسفل؟ أترانا نكون واقفين من فوق برجنا العاجي نرقب من يصارع البلاء، أو أننا نكون بلحظة من أصحاب الابتلاء؟! ولمن أراد أن يعتبر فله في قصة سيدنا يوسف عليه السلام خير عظة وعبرة، إذ ألقاه إخوته يوما في غياهب الجب، ودارت الأيام والأحوال به حتى غدا على خزائن الأرض (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولانضيع أجر المحسنين) وأتاه إخوته الذين ألقوه في البئر يطلبون منه أن يكيل لهم مايقتاتون به، وينقلب الحال وتدور الدوائر ويقدر يوسف عليهم فيعفو عنهم ويكرمهم، (قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين. قال لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين). وبين بدايات الأمل ونهايات الألم لابد أن تبنى حدود قلوبنا، وتكون سكنا آمنا لمن أعطانا الأمان في يوم من الأيام، وحصنا منيعا يدفع غزو الجراح والمحن عن الذين علمونا بتعاملهم معنا أبجديات الوفاء والطيب في زمن سادت فيه معاجم اللئام.. ومادمت قد نثرت ملحا على الجراح فاسمح لي ياقارئي العزيز، واسمحوا لي جميعا بأن أختم رسالتي هذه بأبيات الشاعر الكبير سعد بن جدلان حيث يقول: ودنا بالطيب بس الزمن جحـاد طيـب كل ماتخلص مع النـاس كنـك تغشهـا يدك لامدت وفا لاتحـرى وش تجيـب كان جاتك سالمه حـب يـدك وخشهـا كل ماشبيت نار المحبـة مـع حبيـب قام يسحـل فـي مشاهيبهـا ويرشهـا كل ماواجهت لك في الزمن وجه غريب مثل ماقـال المثـل دام تمشـي مشهـا وذمةٍ ماهيب تنـدان للحـق المصيـب جعل قشاش الحطب لاسـرح يقتشهـا وصح لسان من قال: ودنا بالطيب بس الزمن جحاد طيب...