13 سبتمبر 2025
تسجيليعد ضم الصين لتايوان بأي شكل ما، وغالبا، سيكون بالقوة أمرا محسوما ولا فصال فيه لدى الصين. فتايوان هي الخط الأحمر الرئيسي للصين. فمنذ إعلان جمهورية الصين الشعبية عام 1949، لم يتزحزح قيد أنملة الشعور الشعبي والرسمي والفكري القومي الراسخ بأن تايوان جزء أصيل من الوطن الأم يجب استرجاعه وضمه تحت حكومة وطنية واحدة. وإلى جانب الشعور القومي الجارف الذي لا يستطيع الحزب الشيوعي الحاكم أو أي رئيس صيني أن يتحداه أو يسير عكس اتجاه؛ ثمة أبعاد جيوسياسية وجيواقتصادية تربط بين تايوان واستكمال مسيرة صعود الصين كقوة عظمى في النظام الدولي. إذ أن تمتع الجزيرة بموارد طبيعية هائلة وبنية صناعية متميزة خاصة في المجال التكنولوجي، فضلا عن موقعها الاستراتيجي في شرق آسيا المطل على المحيط الهادي وبحر الصين الشمالي والجنوبي؛ يجعلها حاسمة جدا لترسيخ النفوذ العسكري والاقتصادي للصين في آسيا. ولنفس تلك المزايا الاستراتيجية الجبارة الحاسمة لصراع الزعامة الدولية، ليس من السهل أن تتخلى الولايات المتحدة عن تايوان وتجعلها فريسة سهلة للصين، حتى وإن كانت في أضعف حالتها. قضية ضم الصين لتايوان مسألة حاسمة أيضا لدى كبار المفكرين الاستراتيجيين في العالم، بل إن الولايات المتحدة تعي جيدا ذلك. لكن السؤال المطروح من قبل هؤلاء المفكرين، متى سيحدث هذا الضم؟. يشهد التوتر بين الصين والولايات المتحدة على تايوان تصاعدا لافتا منذ تولي إدارة ترامب الرئاسة. وتزايد هذا التوتر ربما بشكل غير مسبوق منذ مجيء إدارة بايدن. كدلالة على تصاعد مخاوف واشنطن من إصرار الصين على ضم الجزيرة بالقوة. وفي سبيل ثني الصين عن ذلك، عمق بايدن من وتيرة التطبيع غير الرسمي، والمساعدات العسكرية لتايوان، وحرك مدمرات بحرية بالقرب من الجزيرة، كما صرح في أكثر من مناسبة-وهو الأخطر بالنسبة للصين- عن عدم تواني الولايات المتحدة في استخدام القوة العسكرية ضد الصين حال غزوها لتايوان. وأخيرا، جاءت زيارة "نانسي بيلوسي" المثيرة للجدل لتايوان، لتثير حالة مزعجة جدا من التوتر بين القوتين. تلقت بكين خطوات بايدن التصعيدية، لا سيما زيارة بيلوسي على أنها ضوء أخضر أمريكي لتايوان للتمسك بالانفصال، وانحراف خطير عن سياسة الصين الواحدة التي تشبثت بها واشنطن منذ السبعينيات. لذا، جاء رد الصين سريعا وحاسماً جدا من خلال خطوات تصعيدية عسكرية واقتصادية غير مسبوقة ضد تايوان. وأوحى التصعيد العنيف للصين للكثيرين بأن ضم الصين لتايوان أصبح على مرمى حجر، بل ذهب بعضهم بالقول بأن ما اتخذته الصين من خطوات عسكرية واسعة ضد تايوان يمثل المرحلة الأولى من مراحل عملية الضم. ويعزز البعض تصوراته بالحرب الأوكرانية التي أظهرت جليا التراجع الأمريكي أمام روسيا الأقل قوة من الصين. لا شك أن التصعيد الصيني العنيف تجاه تايوان، يعكس ضمنيا تحديا صينيا أكثر صراحة وقوة لواشنطن بسبب نمو قوة الصين، كما يعكس أيضا الإصرار الصيني الراسخ الأبدي بشأن عدم التنازل عن تايوان. ومع ذلك، من الصعب وصف هذا التصعيد بأنه المرحلة الأولى أو القرار النهائي للصين لضم تايوان. بل أفضل ما يمكن وصفه بشأن هذا التصعيد هو بداية التصعيد "الحاسم والعلني والصريح" للصين لضم تايوان على المدى البعيد، أي بعد عقد من الزمان أو أكثر. والشاهد على ذلك، تراجع العمليات العسكرية للصين نسبيا تجاه تايوان بعد زيارة بيلوسي، وتبني مسار آخر لمعاقبة تايوان يرتكز على العقوبات الاقتصادية. إذ يمكن القول أن ثمة تحديات كثيرة بعضها جوهري، تعيق ضم الصين لتايوان على المدى القريب. ويتمحور أهم تحدٍ جوهري في تعادل ميزان القوة نسبيا بين الولايات المتحدة والصين خاصة العسكري. يشير استقراء التاريخ الواقعي للحروب الكبرى أو العالمية أو بين القوى العظمى، أن هذه الفئة من الحروب المدمرة تندلع عندما تتصرف قوة عظمى بحماقة شديدة توصف "بالانتحار" عبر الإفراط التوسع أو استخدام القوة كألمانيا النازية، أو الاتحاد السوفيتي عندما استنزفت قوته في غزو أفغانستان. أو عندما تستشعر القوى العظمى أن ميزان القوة قد تأرجح لصالحها بشكل كبير، وبالتالي تنخرط في صراع عسكري واسع متيقنة أن الانتصار هو حليفها في نهاية المطاف، ومثال على ذلك تورط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية لتيقنها من انتصارها على دول المحور. استطاعت الصين عبر عقود من التنمية الاقتصادية والتطور العسكري والتوسع السياسي العالمي من تضييق فجوة القوة الشاملة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، يمكن القول إن ميزان القوة بين القوتين-رغم التراجع الأمريكي- لايزال متعادلا نسبيا. بل إنه من زاوية القوة العسكرية تتفوق الولايات المتحدة بدرجة ما على الصين. وفضلا عن ذلك، تتميز الصين على خلاف أية قوى صاعدة في التاريخ بالصبر والحذر الشديد، والاعتماد بشكل كبير على الوسائل الاقتصادية والقوة الناعمة لتحقيق الهيمنة العالمية. وعليه، فتصرف الصين بشكل انتحاري لأجل تايوان أو غيرها من خطوطها الحمراء ليس وارداً في قاموس الصين السياسي مطلقاً. وعلى الجانب الآخر، تعي الصين جيدا أن ضم تايوان في ظل تعادل ميزان القوة مع الولايات المتحدة، ليس فقط مسألة غير مضمونة النجاح خاصة في ظل شبكة تحالفات واشنطن الأمنية والعسكرية القوية في آسيا الذي يطورها بايدن بقوة، بل أيضا ستصيب القوة الاقتصادية والقوة الناعمة ومصداقية الصين الإقليمية والعالمية في مقتل شديد، يعرقلها عشرات السنين عن حلم الهيمنة العالمية. وربما ينطبق ذلك على الولايات المتحدة، فهي أيضا لا تريد الانتحار من أجل تايوان في ظل ميزان قوة متعادل مع الصين. لذلك، يفهم سياسات بايدن الرامية تجاه تايوان بأنها رادعة للصين للاستمرار في تقبل سياسة الصين الواحدة بنظامين وليس ضمها. ثمة أيضا بعض التحديات الأخرى الحالية التي تعيق من سيناريو الضم القريب، نذكر منها، تركيز الصين على استعادة عافية اقتصادها الذي تضرر بشدة بسبب أزمة كورونا، وهذا يتطلب توفير مناخ إقليمي مستقر. ومن التحديات كذلك، توتر علاقاتها مع الهند والذي يخفي في طياته صراعا على النفوذ في آسيا. نخلص مما سبق أن ضم الصين لتايوان أمر سيحدث مؤكدا لكن على المدى البعيد، فعلى المدى القريب يقف تعادل توازن القوة مع واشنطن على وجه الخصوص عائقا ثقيلا أمام سيناريو ضم. لكن ما يمكن الجزم به أن الصراع الأمريكي الصيني على تايوان قد دخل في منعطف تصعيدي خطير يعكس في طياته معادلة توازن القوة، ويحمل في طياته أيضا ضم صيني مؤكد لتايوان خلال المستقبل عبر صراع مسلح أكيد ستنخرط فيه الصين عندما تتيقن تماما من الانتصار.