10 سبتمبر 2025
تسجيلمن قلة الوعي وعدم الفهم للمعنى الحقيقي المتمثل في كلمة القدر والتي جعل الله عز وجل فيها لكل إنسان قدرا مكتوبا ومعلوما في صحيفة أعمال كل الخلق، فأصبح لدى البعض المفهوم الخاطئ تماماً والعمل بشكل غير سوي، وذلك تحت حجة أن القدر مكتوب فلا محالة من عمل عملٍ مُختلف عما قُدر وأن كل ما يقوم به المرءُ هو مُقدرٌ مسبقاً !. يُحذر بعض الأشخاص من تناول أغذية مُعينة، وذلك لعدم توافقها مع أجسادهم لسبب طبي ما، ولكن تجدهم يتجاهلون نصيحة الطبيب المُشرف عليهم وعند إصابتهم بضرر ما قيل " الحمد لله " قدر ومكتوب ! صح القول في الأولى الحمد لله على كل حال، وأخطأ في التالية قدر ومكتوب !. حُذر من مرافقة أشخاص معينين لوضوح الرؤية في فساد أخلاقهم وعملهم، فصاحبهم ووقع فيما وقعوا فيه، وعند المحاسبة قال " قدر ومكتوب " ! فكم الإنسان ظلوم ! تُقدر السرعة في الطريق برقم ما للمحافظة على الأرواح والممتلكات، فتجده يتسابق في ذلك الطريق بسرعة تفوق السرعة المُخصصة بضعفين أو أكثر فيتسبب في حادث ويتسبب في وفاة شخصٍ ما أو إعاقته، وعند المحاسبة قيل " قدر ومكتوب " بل استهتار ورعونة !. فهذه عينة صغيرة من بحر كبير في هذا، فسوء فهم القدر وأن ما يحصل هو من القدر المكتوب المحتوم خاطئ وكأن ما يقوم به الأشخاص من أخطاء هيّ من صُنع الله عز وجل حاشاه سبحانه عما يقولون. فكُل فعلٍ يقوم به الإنسان هو من عمله، فإما يوفق به أو لا يقع التوفيق حليفه، وأن الأعمال الطيبة يقع أجرها على الله وذلك لحسن نية وصالح عمل من يقوم بها، وأن سوء الأعمال تقع سيئاتها على أصحابها لسوء فعلهم الذي قاموا به اختيارياً لا قدرياً !. فالإنسان مُخير لا مُسير فيما يقوم به من عمل وأفعال، فالحرص واجب شرعي والاهتمام بصحة الجسد واجب شرعي فمع اتخاذ الحرص والأسباب، وعلى الرغم من ذلك يقع ما لم يكن متوقعاً، فهنا نعم نتحدث عن القدر والصبر على ما حدث ورجاء الحصول على الأجر والثواب في هذا المصاب أو الحدث. والحرص لا يتعارض مع المقصد الشرعي، فسيدنا يعقوب عليه السلام أبلغ أبناءه بتجنب الدخول من بابٍ واحد كما ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) فهذا العمل الذي وجه به سيدنا يعقوب لأبنائه هو مخافة إصابة أبنائه بسوء فقام بالسبب وهذا لا يُغنيهم من السوء ولكن هو فعلٌ وحرص ويبقى الحفظ عند الله عز وجل. وإن من الواجب على المسلم عند المصاب والمرض أن يدعو الله عز وجل بطلب الشفاء ورفع الضّرر وهو مطلب شرعي وأن يبعد اليأس من النفس البشرية، والتي يوسوس لها الشيطان بصعوبة الشفاء أو عدم إمكانية انقضاء ذلك المصاب. ومن سوء فهم القدر وسوء الظن بالله ما حدثنا به الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في مرض شيخ كبير عندما قال رَسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ علَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ: لا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ حُمَّى تَفُورُ، علَى شيخٍ كَبِيرٍ، كَيْما تُزِيرَهُ القُبُورَ، قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَنَعَمْ إذًا. فيتبين لنا هنا أن الإنسان عندما ييأس من رحمة الله ولا يأخذ بالأسباب ومنها الدعاء وشأن الدعاء عظيم، فقد يظلم نفسه ويُهلك نفسه ويفقدُ ذاته. ومن عظيم رحمة الله علينا الأخذ بالدعاء، فهو حلقة الوصل بين العبد وربه لا يمنعه أحدٌ من البشر، وإن أثار الدعاء كثيرة ولا تُحصى ومنها ما علمنا به من أثر ومنه ما لم نعلم أثره. فالدعاء هو الحصن الحصين للمسلم لحفظ النفس والأبناء والمال وطيب المحيا والرزق، إن في الدعاء تحولاً بقدرة الله عز وجل في إزاحة الأذى ومنع الضرر وبعضاً من الأقدار التي كانت مكتوبة فلولا لم يتم الأخذ بالأسباب كالدعاء وبلزوم الدعاء لما مُنع ذلك المرض أو زاح ذلك البلاء. حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة " فما هو مطلوب منا الأخذ بالأسباب واللجوء بالدعاء إلى الله عز وجل وطيب العمل والبعد عما يهدد الجسد والنفس بالضرر والأذى، فكُل ذلك يجلب ما بين بركة في العمر والمال والأبناء والرزق. أخيراً لا تكُن يا ابن آدم ظالماً لنفسك تعمل عملاً يُفسد جسدك وحياتك لتُنهي ذلك إرضاءً لنفسك بقول " كان ذلك لي قدراً مكتوباً " ! بل اجتهد في صالح عملك وأتخذ الدعاء سبيلاً للفلاح والبُعد عما يضرك والأخذ بالأسباب، وبعد ذلك ما قد يُصيبك من سوءٍ أو خير فهو مُقدرٌ لك وستطيب بها نفسك. bosuodaa@