11 سبتمبر 2025

تسجيل

لله - تعالى - أن يمثّل بما يريد

22 يونيو 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); (إِنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ) (26). شرعت الآيات في تنزيه ساحة التنزيل عن تعلق ريب خاص اعتراهم من جهة ما وقع فيه من ضرب الأمثال وبيان لحكمته وتحقيق للحق أثر تنزيهها عما اعتراهم من مطلق الريب بالتحدي وإلقام الحجر وإفحام كافة البلغاء من أهل المدر والوبر. روي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن المنافقين طعنوا في ضرب الأمثال بالنار والظلمات والرعد والبرق وقالوا: الله أجل وأعلا من ضرب الأمثال. وروي عن عطاء (رضي الله عنه) أن هذا الطعن كان من المشركين، مع أنه لا يخفى على أحد ممن له تمييز من أوضح الأدلة على كونه خارجا عن طوق البشر نازلا من عند خلاق القوى والقدر، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية والكلمات النبوية مثل قوله (صلى الله عليه وسلم):"إن الله يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه" وقوله عليه السلام: "إن الله حيي كريم يستحي إذ رفع إليه العبد يديه أن يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا". وذاعت كذلك في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء، وقد ضرب الله المثل بالبعوضة وأي مانع فيها حتى لا يضرب بها المثل، بل له تعالى أن يمثل بما هو أصغر منها وأحقر كجناحها على ما وقع في قوله (صلى الله عليه وسلم):"لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" (فما فوقها) المراد بالفوقية إما الزيادة في المعنى الذي أريد بالتمثيل أعني الصغر والحقارة وإما الزيادة في الحجم والجثة. والمعنى أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فأي شيء فوقها في الصغر والحقارة. فإذن له تعالى أن يمثل بكل ما يريد. (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) كسائر ما ورد منه تعالى، والحق هو الثابت الذي يحق ثبوته لا محالة بحيث لا سبيل للعقل إلى إنكاره لا الثابت مطلقا واللام للدلالة على أنه مشهود له بالحقية وأن له حكما ومصالح. وللإيذان بأن ضرب المثل تربية لهم وإرشاد إلى ما يوصلهم إلى كماله اللائق بهم كما في قوله تعالى "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا للإشعار بقوة ما بينهما من التلازم وظهوره المغني عن الذكر. (وأما الذين كفروا) ممن حكيت أقوالهم وأحوالهم (فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا) إن عدم العلم بحقيته لا يعم جميعهم فإن منهم من يعلم بها وإنما يقول ما يقول وكابرة وعنادا وحمله على عدم الإذعان والقبول الشامل للجهل والعناد تعسف ظاهر وقد قيل كان من حقه، وأما الذين كفروا فلا يعلمون ليطابق قرينه ويقابل قسيمه، لكن لما كان قولهم هذا دليلا واضحا على جهلهم عدل إليه على سبيل الكناية ليكون كالبرهان عليه فتأمل وكن على الحق المبين. (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا) إن المراد بالذات من ضرب المثل هو التذكر والاهتداء كما قال تعالى:(وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) وأما الإضلال فهو أمر عارض مترتب على سوء اختيارهم وأوثر صيغة الاستقبال إيذانا بالتجدد والاستمرار، كأنه قيل أراد إضلالا كثيرا وهداية كثيرة وقدم الإضلال على الهداية مع تقدم حال المهتدين على حال الضالين فيما قبله ليكون أول ما يقرع أسماعهم من الجواب أمرا فظيعا يسوؤهم ويفت في أعضادهم وهو السر في تخصيص هذه الفائدة بالذكر. وتسجيل بأن العلم بكونه حقا هدى وأن الجهل ضلال وفسوق ولا يقاس أقلية أهل الهدى بالنسبة إلى أهل الضلال حسبما نطق به قوله تعالى (وقليل من عبادي الشكور). (وما يضل به إلا الفاسقين) والفسق الخروج عن طاعة الله عز وجل بارتكاب الكبيرة التي من جملتها الإصرار على الصغيرة وله طبقات ثلاث: الأولى التغابي، وهو ارتكابها أحيانا مستقبحا لها، والثانية الانهماك في تعاطيها، والثالثة المثابرة عليها مع جحود قبحها.