14 سبتمبر 2025

تسجيل

الشقيقتانِ الكبريان.. الواقعُ والأوهامُ

22 مايو 2018

لفتَ الأنظارَ التمثيلُ الدبلوماسيُّ لمصرَ والسعوديةِ في مؤتمرِ القدسِ الدوليِّ باسطنبولَ، يومَ الجمعةِ الماضي، لأنه لم يكنْ متناسباً مع خطورةِ وأهميةِ القضيةِ التي عُقدَ من أجلها. لكنني أعتقدُ أنه كانَ طبيعياً جداً في ظلِّ سياساتِ قيادتيهما، وهو ما دفعني لمناقشةِ مصطلحِ: الشقيقةِ الكبرى، وتبيينِ عدم واقعيته. أولاً: الشقيقةُ العربيةُ الكبرى: وهو المصطلحُ الذي يطلقُ على مصرَ، رغم أنها خرجتْ من التاريخِ، وتحولتْ إلى دولةٍ وظيفيةٍ بلا تأثيرٍ في محيطيها العربيِّ والإسلاميِّ منذُ توقيعِ أنور السادات معاهدةَ كامب ديڤيد مع الكيانِ الصهيونيِّ، سنة 1978م، كما سيتضحُ في النقاطِ التاليةِ: 1) فقدانُ الجاذبيةِ السياسيةِ: فمنذُ توقيعِ المعاهدةِ، لم تعدْ مصرُ طرفاً في الصراعِ العربيِّ الصهيونيِّ، وإنما لعبتْ دورَ الوسيطِ غيرِ النزيهِ. فقد التزمتْ في كلِّ المراحلِ بدورها الوظيفيِّ الضاغطِ على الفلسطينيينَ والدولِ العربيةِ لصالحِ الكيانِ الصهيونيِّ سعياً للحفاظِ على استمرارِ دعمِ أمريكا لنظامها، وضمانِ عدمِ انقطاعِ المعونةِ الأمريكيةِ السنويةِ، ففقدتْ بالتالي قوتها الحقيقيةَ المتمثلةِ بالتفافِ العربِ حولها. 2) رداءةُ النموذجِ الحضاريِّ: فالنظامُ المصريُّ غيرُ مقبولٍ عند الشعوبِ العربيةِ كنظامٍ يمكنُ الاقتداءُ به والاعتمادُ عليه، لأنه قامَ على الفسادِ السياسيِّ والماليِّ، ولم يبنِ دولةً حديثةً فيها ديمقراطيةٌ ورفاهٌ واحترامٌ للمواطنِ، وإنما بنى دولةً تعيشُ حالةً إعلاميةً وهميةً تقدمُ للمواطنينَ فيها جرعاتٍ من أوهامِ القوةِ والتأثيرِ، دون أن يرافقها نتاجٌ فكريٌّ، أو تقدمٌ اجتماعيٌّ واقتصاديٌّ. 3) الانعزاليةُ: التي نراها في انعزالِ مصرَ عن محيطها، وسعيِ نظامها لبترِ روابطِ الأخوَّةِ بين الشعبِ المصريِّ والشعوبِ العربيةِ والإسلاميةِ. ففي كلِّ الأحداثِ، من حربِ الخليجِ الأولى، مروراً بالانتفاضاتِ الفلسطينيةِ، فالحربِ الصهيونيةِ على لبنانَ وغزةَ، قامتِ القيادةُ المصريةُ بدورِ التاجرِ الماهرِ الذي يتصيدُ الفرصَ للإثراءِ حتى لو كان ثمنه دماءَ الشعوبِ ومصائرَ أوطانها. أما (مسافة السكة) التي قالها السيسي، فإنها سكةٌ للحصولِ على منافعَ لنظامه دون تقديمِ دعمٍ حقيقيٍّ للذين ينتظرونه في آخر السكة. ثانياً: الشقيقةُ الخليجيةُ الكبرى: وهي السعوديةُ التي يقرُّ الخليجيونَ بأنها الكبرى مساحةً وتعداداً سكانياً، ولكننا نرى أنَّ ذلك لا يكفي لتكونَ شقيقةً كبرى، كما سنقرأُ في النقاطِ التاليةِ: 1) السياسةُ الخارجيةُ: حيثُ تتسمُ بالفوقيةِ والرغبةِ في إخضاعِ الدولِ اعتماداً على ما تفترضه السعوديةُ في ذاتها من قدراتٍ اقتصاديةٍ وعسكريةٍ. ففي حصارِ بلادنا، مثلاً، تصرفتِ المملكةُ وكأننا نعيشُ في العصرِ الجاهليِّ، ولم تترك باباً للحوارِ إلا أغلقته، فأدرك العربُ جميعاً أنَّ الأمرَ يعكسُ غلاً وكراهيةً، مما جعلَ من الحصارِ سبباً في انهيارِ مكانتها السياسيةِ. 2) التغريبُ: وأقصدُ به العملَ على تغييرِ قيمِ المجتمعِ، والانسلاخِ عن الإسلامِ والعروبةِ، ومعاداةِ العربِ، والتخلي عن قضايا الأمةِ وأهمها القضيةُ الفلسطينيةُ. فإذا كان ذلك شأناً داخلياً كما يقولُ السعوديونَ رغم أنه يصيبُ الأمةَ في مقتلٍ، فالأولى بهم أنْ يلتزموا بالقانونِ الدوليِّ، ولا يتدخلوا في شؤونِ الدولِ الأخرى، ولا يعملوا على القيامِ بانقلاباتٍ فيها. 3) الانعزاليةُ: وهو جانبٌ خطيرٌ يقومُ على فكِّ ارتباطِ المملكةِ بالعربِ والمسلمينِ بحجةِ أنَّ مصالحها الذاتيةَ أهمُّ منها. وقادَ هذا التوجهُ إلى فقدانها لقوتها الحقيقية المتمثلةِ في نظرةِ الشعوبِ لها كحاضنةٍ للإسلامِ، وحاميةٍ للديارِ المقدسةِ. إذن، مصرُ والسعوديةُ لا تقومانِ بما ينبغي عليهما ليقالَ عنهما إنهما الشقيقتانِ الكبريانِ. ولذلك ندعو لأمرينِ: الأولُ: إصلاحُ النظامِ الأساسيِّ للجامعةِ العربيةِ، وإخراجها من الفلكِ المصريِّ الذي يسببُ لها عجزاً في الأداءِ والتأثيرِ. الثاني: إصلاحٌ جذريٌّ لمنظومةِ مجلسِ التعاونِ يؤدي إلى تساوي دوله في حقوقها السياديةِ بدلاً من التعللِ بأوهامِ الدولِ الكبرى والصغرى، وهي أوهامٌ تسيرُ بنا رجوعاً إلى عصورِ ما قبلَ الدولةِ الحديثةِ والقانونِ الدوليِّ.