11 سبتمبر 2025

تسجيل

الغاز المسال وريادة قطر

22 أبريل 2020

عرف الإنسان أهمية وفوائد الطاقة البترولية المكونة أساساً من النفط والغاز الطبيعي وغيرهما من المشتقات البترولية، وفي وقت قريب واكبت تطور طاقة الحركة التي تدرجت في استخدام الفحم الحجري وذلك منذ القرن التاسع عشر، ثم أخذ الفحم الحجري يتلاشى أمام الطاقة البترولية في النصف الأول من القرن العشرين ليختفي نهائياً ولتحل محله بالكامل الطاقة البترولية. استطاعت الطاقة البترولية أن تغير العالم من الحياة القديمة إلى حياة حديثة تتسم هذه الحياة بكل أساليب الحداثة ولذلك حتمت التراجع السريع على طاقة الفحم الحجري، الذي تراجع نهائياً أمام زحف وتقدم القوى الشاملة للطاقة البترولية على كل ما له صلة بالتطور العلمي الجديد وسرعان ما اختفى استخدام الفحم الحجري في مختلف بلدان العالم لتحل محله الطاقة البترولية الجديدة والأكثر فاعلية من حيث السرعة ودقة الفاعلية. ومع التطور الصناعي السريع لآلة الحركة في بداية النصف الثاني من القرن العشرين حل النفط ومشتقاته محل البقية الباقية للفحم الحجري في ظل نهضة صناعية تكنولوجية عالمية وشاملة وسريعة عمت كل وسائل الاحتراق الداخلي المتعلق بصناعة الحركة، وفي الوقت الذي عم النفط العصر الصناعي بشكل واسع باعتباره أهم مشتقات الطاقة البترولية فإن الغاز الطبيعي أحد المشتقات البترولية صعد نجمه بشكل لافت ومتميز من منطلق أنه أنظف وقود الطاقة الأحفورية على الإطلاق وليس له تأثير ضار على الحياة البيئية، إضافة إلى أن مشتقاته وخاصة وقود الديزل النظيف الأخضر والزيوت الأساسية أفضل منتجات للسيارات الحديثة الراقية. ويكفي الغاز الطبيعي المكانة المرموقة والتقدير المتزايد الذي احتله في عالم الصناعة لأنه المنتج الوحيد من بين منتجات الطاقة الأحفورية الذي يتميز بنظافة عالية مقارنة بالنفط والديزل والفحم الحجري وكافة منتجات الطاقة الأحفورية المعروفة بتأثيرها في عمليات تلوث البيئة بالأدخنة الكثيفة الناتجة عن احتراقها ومن نعمة الله على قطر أن جعلها من منتجي الغاز الطبيعي الكبار في العالم الجديد وممارسة الصناعة الحديثة الجديدة. وانطلاقاً من هذه الحقائق عن وقود الغاز الطبيعي استحقت دولة قطر أن تحتل المكانة المرموقة الأولى على مستوى العالم في إنتاج الكميات الضخمة وصناعة وتصدير هذه الكميات من الغاز الطبيعي المسال إلى جانب تصنيع وتصدير منتجات تحويل الغاز إلى سوائل مثل وقود الديزل النظيف وغيره، وذلك ما لم تحققه الدول الأكبر مساحة وسكاناً وتطوراً علمياً والأكثر احتياطياً من الغاز الطبيعي والثروات الأخرى. وغالباً ما يتواجد الغاز الطبيعي مع النفط أو في حقول ليست ببعيدة عن حقول النفط ومن نعم الله على دولة قطر أنه تم اكتشاف حقلها العملاق من الغاز تحت طبقة النفط مباشرة بعمق حوالي ألف قدم أو أكثر أي بعمق يتراوح ما بين 8 آلاف و9 آلاف قدم تحت قاع البحر في المياه الإقليمية البحرية القطرية وعلى مساحة قدرها حوالي "6000" كيلومتر مربع مع ملاحظة أن عصر استغلال الغاز الطبيعي جاء في مجال الطاقة الحديثة متأخراً مقارنة بغيره حيث ظل خارج هذا النشاط الصناعي الجديد لفترة طويلة من الزمن لعدم ابتكار الآلة التي تناسب استخدامه على نطاق واسع في أغراض صناعية جديدة في تلك الفترة، ومع بداية القرن العشرين أخذت بعض الصناعات بشكل محدود وضيق في استخدام الغاز الطبيعي لأغراض صناعية ضيقة نظراً لصعوبة التحكم في الغاز من حيث نقله وتخزينه في تلك الفترة بشكل سائل كما هو الآن. وكبداية متواضعة حول اكتشاف الغاز الطبيعي واستغلاله فقد بدأت في عام 1914 فكرة إسالة أو تسييل الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية كبراءة اختراع، وفي عام 1917 قامت بريطانيا بأول عملية تجارية غرب فيرجينيا إلا أن الاستغلال الفعلي للغاز أخذ مجراه عندما وقعت بريطانيا عقداً مدته خمسة عشر عاماً مع الجزائر، وذلك في عام 1961 لتزويد بريطانيا بحوالي مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً. وبعد تلك التطورات انتشرت العمليات الصناعية للغاز الطبيعي في العالم ولكن بشكل متدرج حتى شملت ما يزيد على "40" ميناء في العالم، وفي حوالي الربع الأخير من القرن العشرين شملت صناعة الغاز المسال العديد من بلدان العالم وكان من أهم وأكبر العمليات الصناعية للغاز الطبيعي حتى الآن صناعة التسييل الضخمة القطرية التي بلغت في مشروعي "قطرغاز" و"رأس غاز" أعلى مرتبة وقدرها "77" مليون طن سنويا من خلال إنتاج ما بين "18" و"19" مليار قدم مكعبة يومياً لتغذية "14" خط إنتاج في عمليات التسييل لكل من قطر غاز ورأس غاز اللذين يحتوي كل منهما على سبعة خطوط إنتاج، وتعتمد عمليات صناعة تسييل الغاز الطبيعي على تبريده إلى درجة حرارة قدرها حوالي "5. 161" درجة تحت الصفر، وفي حالة كثافة أقل من نصف كثافة الماء وذلك عندما يكون سائلا ثم يتحول إلى الغاز وهي حالته الطبيعية ويزيد حجمه عشرات المرات عن حجمه وهو في حالته السائلة، وإذا ما اشرنا إلى الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي نجد أن إجمالي هذا الاحتياطي العالمي يزيد على "61916" تريليون قدم مكعبة منها "3395" تريليون قدم مكعبة احتياطي روسيا وإيران وقطر حيث تحظى قطر باحتياطي يزيد على "900" تريليون قدم مكعبة. ويذكر أن اكتشاف الغاز القطري الضخم والمنفرد تم عام 1971 في المياه الإقليمية القطرية وعلى مساحة تبلغ حوالي "6000" كيلومتر مربع وأعماق تتراوح ما بين 8 آلاف و9 آلاف قدم تحت ماء البحر، حيث يتواجد الغاز بكميات تجارية كبيرة. وبعد نظرة تعمق قطرية فكرت دولة قطر بتسويق بعض هذه الكميات الضخمة من الغاز إلى دول المنطقة الشقيقة عن طريق الأنابيب لتلبية الاحتياجات المتزايدة لتلك الدول من الطاقة الكهربائية ولكن ذلك تعثر لعدد من الأسباب، فبدأت الدولة تفكر في مخرج آخر لتسويق بعض هذه الكميات الضخمة من الغاز الطبيعي إلى دول العالم ولكن كيف يمكن توصيل هذا الغاز إلى الدول التي تحتاج لكميات ضخمة إذا كان من المستحيل مد أنابيب عبر عشرات الدول حتى وصوله إلى مستهلكيه وعبر عشرات الآلاف من الكيلومترات، خاصة إذا كان الطلب في اليابان وكوريا وبعض دول الأمريكتين وأوروبا الغربية. وجاءت الفكرة "الأمل" وهي تصنيع الغاز إلى سائل ثم نقله بواسطة ناقلات عملاقة تشبه خزاناتها فريزر الثلاجة من حيث البرودة للحفاظ على وصول الغاز سائلاً إلى المستهلك الياباني أو الأمريكي وغيرهما وبسلامة وأمان مع العلم أن تكلفة ذلك مالياً ستكون عالية جدا ورغم أن البداية القطرية كانت شبه مغامرة في صناعة تسييل الغاز الطبيعي وتسويقه فإن الإرادة القطرية كانت قوية جداً بقيادة وتوجيهات سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وينفذ تلك الإرادة وبإصرار شديد سعادة وزير الطاقة والصناعة في حينه عبدالله بن حمد العطية، ولإيجاد الطريق الأفضل تجارياً لهذه الكميات الضخمة من الغاز الطبيعي اتجهت الدولة مع بعض الشركات الأجنبية إلى صناعة تسييل الغاز ونقله بواسطة ناقلات عملاقة خاصة بنقل الغاز المسال تلك الناقلات العملاقة التي تحتوي على خزانات تشبه فريزر الثلاجة من حيث البرودة وتصل برودتها إلى حوالي "162" درجة تحت الصفر. ومما لا شك فيه أن البداية القطرية في صناعة تسييل الغاز الطبيعي وتسويقه إلى بلدان العالم البعيدة كانت عمليات غاية في الصعوبة تجارياً وكانت مكلفة مالياً لأنها كانت الأولى في الشرق الأوسط والأضخم عالميا وحتى أسواق الغاز المسال كانت محدودة وطلباتها محدودة أيضا على مستوى العالم، علماً أن الوضع تغير وأصبح غالبية العملاء يطالبون بكميات أكبر من الغاز المسال، ورغم كل تلك العوائق التكنولوجية والمالية في البداية.. فإنه تمت إقامة مدينة رأس لفان الصناعية كحلقة وصل بين إنتاج الغاز من البحر وتصنيعه في هذه المنطقة ثم تصديره إلى دول العالم على شكل غاز مسال بواسطة عدد كبير من ناقلات شركتي "قطرغاز" و"رأس غاز" العملاقتين اللتين تملكان هذه الناقلات. وما يهمنا في دولة قطر الآن ويرفع مكانة الدولة أن الغاز القطري المسال الذي يصدر إلى دول العالم المتحضر أصبح يمثل الوجه القطري المتحضر وهو في نفس الوقت عنوان تقدير تحمله الناقلات القطرية العملاقة إلى ذلك العالم المتحضر.