27 أكتوبر 2025
تسجيلفي ذروة الإقبال على كتابة الرواية التي انهمك في مقاربتها أعداد وافرة، وخاصة في السنوات الأخيرة، وبات مفهوماً أن يزعم بعض النقاد أن الرواية ديوان العرب، ساحباً البساط من تحت القصيدة، التي خسرت الكثير في ذهاب المواهب الأدبية إلى عالم السرد.لكنّ المثير أن بعض الشعراء ترك القصيدة، وذهب إلى كتابة الرواية، وفي السنوات الأخيرة برزت هذه الظاهرة، فالسوري خليل صويلح مثلاً وبعد أكثر من ديوان توجه إلى الرواية وكتب "وراق الحبّ" و"دع عنك لومي" ومواطنه الشاعر عادل محمود، وبعد نتاج شحيح في قصيدة النثر، كتب رواية "إلى الأبد ويوم" ولا تنس مواطنهما ذائع الصيت سليم بركات الذي اختط لنفسه خطاً في الكتابة الشعرية، ما لبث أن اتجه إلى كتابة الرواية وله روايات كثيرة مثل: "الجندب الحديدي- هياج الإوز". وتطول القائمة فنتذكر روايات للشاعرة الإماراتية ميسون صقر، والعراقي فاضل العزاوي، والمصري الراحل حسن توفيق.وفي المقابل فإن كثيراً من الروائيين المحسوبين على عالم الرواية بدأوا شعراء، كالسوداني أمير تاج السر، والجزائرية أحلام مستغانمي، والسوري الراحل عبد السلام العجيلي.فما الذي يدعو شاعراً وجد شخصيته الإبداعية في الشعر أن يركن إلى الرواية كسميح القاسم مثلاً عندما كتب رواية "كولاج"، والمصري إبراهيم ناجي أن يكتب "زازا". هل كان مردّ ذلك إلى تعدد مواهب الشاعر، حيث برع بعضهم في الفنّ التشكيلي مثلاً، أم أنّ الشعر لم يستطع أن يخرج كلّ ما في خبيئة الشاعر، فاستعان بالسرد؟ أم أن "هوجة" كتابة الرواية قد ذهبت بالجميع إلى ذلك النبع؟.يجب الاعتراف بأن عوالم السرد قد حظيت بمواهب كبيرة خفّفت من هيمنة الأحداث بتشويقها، وذهبت إلى تمثل الحياة بوصفها رواية، فانسلّ إليها الشعر واللغة معاً، وحقّقا رصيداً معرفياً ووجدانياً في آن، وترجم نصوصاً مكتوبة ومشاهدة، بعدما ترجم كثير من آثار السرد إلى السينما والتلفزيون.كما أن الاهتمام الذي أبداه عصر الصورة للرواية جعل كثيراً من المواهب تيمّم شطر ذلك الفنّ، وتعرض خدمتها على فنونه المستجدة، كالشاعر غازي الذيبة الذي كتب سيناريو الأمين والمأمون، والشاعر سامر رضوان الذي كتب سيناريو "الولادة من الخاصرة".وإن كنّا نقدّر هذه المرحلة التي لن تتخلّق سماتها بعد، إلاّ أنه يجب توجيه التحية لكل الشعراء الذين ظلوا قابضين على جمر الكلمة في القصيدة.