15 سبتمبر 2025
تسجيلبرحيل ماركيز يقف المتبصرون في الرواية على خريطة هذا الفن الذي استوعب فضاءات العصور الحديثة، وأرسى بنيانه في جميع ثقافات المجتمع الإنساني الجديد، وظل مبعث الفضول في قراءة الشعوب.يأتي اهتمام العرب بغابرييل غارسيا ماركيز، لأنه يقرأ مجتمعاً قريباً من مجتمعاتنا، مازالت بناه الثقافية والاجتماعية تلتقي والبنى الثقافية والاجتماعية العربية، بالإضافة إلى ميسم الواقعية السحرية الذي وسم تجربة أبناء أمريكا اللاتينية في الثلث الأخير من القرن الماضي، التجربة التي أدهشت العالم منذ بيدرو بارامو للبيروفي خوان روولفو وما تلاه من تجارب لجورج آمادو وماركيز وبورخيس وغيرهم، وقد بثوا في الواقع البائس الغرائبية والأساطير، وأنتجوا أدباً يقترب من روح الشرق، شرق ألف ليلة وليلة، ومصباح علاء الدين وغيره.ورغم الإنتاج الروائي الغزير في العالم، فإنّ التجارب ذاتها لم تنتظم في حقول تصنيف منضبطة، إذ تلت موجة الواقعية السحرية، موجة قصيرة لم يكتب لها النجاح بعد سقوط المعسكر الشرقي، وأقصد به أدب المنشقين الذي يمثله التشيكي ميلان كونديرا والروسي سولجنستين، وعربياً وبعد رحيل جيل الرواية الكلاسيكية، يأتي جيل شاب أنجز أعمالاً عن الحروب الأهلية وسقوط الأنظمة القديمة والأيديولوجيات والهجرة والاستعمار الجديد، بالإضافة إلى الرواية النسوية التي لا تزال ترفع مظلومية المرأة، وتهب علينا من حين إلى آخر عبر نوبل وبوكر أعمال روائية قادمة من الشرق الأقصى كأعمال الصيني مويان، ومن إفريقيا أعمال مختلفة تثير قضايا الاستعمار والتخلف والتمييز العنصري، وإلى حد قريب تبدو الروايات التي وصلت من قارة الهند التي تعلو فيها نبرة استعدائية حادة ضد الأديان، وتلبي رؤى استشراقية ظلت معاييرها ثابتة، كما فعلت روايات سلمان رشدي وتسليمة نسرين، وإلى حد قريب روايات نايبول ذي الأصول الهندية. وكما هي روايات أبناء المستعمرات عموماً التي تصلح أعمال الطاهر بن جلون مثالاً لها.وبرغم أن العالم قبل سنوات قليلة مفتون بنماذج فردية قد لا تشكل مدرسة، كالبرازيلي باولو كويلو المولع بالروحانيات، والفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف الذي يعيد سيرة سلفه جورجي زيدان في تمثل التاريخ من خلال الرواية، والأفغاني خالد حسيني في الكتابة المدهشة عن أفغانستان ما قبل الحروب الكارثية وأفغانستان المدمّرة اجتماعياً بعد الحرب. إضافة إلى روايات أخرى ذهبت إلى التاريخ الديني في أوروبا وأمريكا وجمعت بين البوليسي والتاريخي والديني كاسم الوردة لإمبرتو إيكو، وشفرة دافنشي لدان براون.في رحيل ماركيز نقف على تخوم الرواية في تمددها الأفقي في مسارب الثقافات العالمية، وعلى آفاقها الجديدة التي لم تتخلّق بعد، في نزق المشهد وضيقه بالقديم شكلاً ومضموناً، مستمداً من صاحب مائة عام من العزلة وخريف البطريارك والحب في زمن الكوليرا شهية القبض على ملامح الأفق الجديد، النائس بين غوايات الجوائز، ودور النشر، والتوجهات القرائية المتحوّلة.