12 سبتمبر 2025

تسجيل

حدثوا الناس بما يعرفون

22 أبريل 2012

إن التغافل عن هذا المعلم يُعد مخاطرة بالداعية والمدعو، كما يؤدى إلى نظرة خاطئة فى المدعو إليه وقد قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". يقول ابن الجوزى رحمه الله: "إن من المخاطرات العظيمة تحديث العوام بما لا تحتمله عقولهم، أو بما قد رسخ فى نفوسهم ضده". لذلك وجب البلاغ بما تقتضيه المصلحة ولو أدى إلى التحايل والتلطف يقول ابن الجوزي: "فالله الله أن تحدث مخلوقا من العوام بما لا يحتمله دون احتيال وتلطف؛ فإنه لا يزول ما فى نفسه، ويخاطر المحدث له بنفسه". بل قد يدفعه ذلك إلى العزوف عن الحق، يقول المقداد بن معدى كرب مرفوعا "إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم ما يعزب عنهم ويشق عليهم". بل قد ذكر بعض أهل العلم حرمة ذلك فقد نقل المقدسى عن ابن عقيل الحنبلى كان يقول: "حرام على عالم قوى الجوهر أدرك بجوهريته وصفاء نحيزته علما أطاقه فحمله أن يرشح به إلى ضعيف لا يحمله ولا يحتمله، فإنه يفسده" والفساد إذا كان متحققا فإن الحرمة تلزمه. لأجل ذلك كان بعض أهل العلم يتأخر فى الجواب عمدا مع القدرة عليه؛ مراعاة لحال السامع، ومن ذلك ما رواه الحاكم فى تاريخه بإسناده عن أبى قدامة عن النضر بن شميل قال: سئل الخليل عن مسألة فأبطأ بالجواب فيها قال: فقلت ما فى هذه المسألة كل هذا النظر قال: فرغت من المسألة وجوابها ولكنى أريد أن أجيبك جوابا يكون أسرع إلى فهمك قال أبو قدامة: فحدثت به أبا عبيد فسر به. وفى تاريخ عبد الله بن جعفر السرخسى أبو محمد الفقيه أخبرنى محمد بن حامد ثنا عبد الله بن أحمد سمعت الربيع سمعت الشافعى يقول: لو أن محمد بن الحسن كان يكلمنا على قدر عقله ما فهمنا عنه لكنه كان يكلمنا على قدر عقولنا فنفهمه" وهذا من فقهه رحمه الله وحرصه على المدعو. بل إن بعض أهل العلم امتنعوا عن إجابة السائل لغلبة ظنهم عدم مراعاة لحاله، ومن ذلك ما ذكر النووى رحمه الله عن قَزَعَةَ قال: أتيت أبا سعيد الخدرى وهو مكثور عنده، أي: عنده ناس كثيرون، فلما تفرق الناس عنه قلت: أسألك عن صلاة رسول الله — صلى الله عليه وسلم — فقال: ما لك فى ذلك من خير. فأعاد عليه فأجابه" قال النووي: معناه أنك لا تستطيع الإتيان بمثلها، وإن تكلفت ذلك شق عليك ولم تحصله، فتكون قد علمت السنة وتركتها. فحجب عنه المعرفة حتى لا يشق عليه بما لا يقدر وما يرهقه لم يجبه الداعية إلى مراده وهذا يؤكد على مراعاة حال المدعو.