19 سبتمبر 2025
تسجيلتشير أحدث الإحصاءات المتوافرة إلى تمتع الاتحاد الأوروبي بفائض مريح في ميزانها التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى انفتاح اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على العالم الخارجي. في المقابل تتميز بعض الاقتصادات العالمية وبعضها أوروبية بفرض نوع من القلاع حولها. والأمر نفسه ينطبق على اقتصادات أخرى في آسيا والتي تركز على التصدير على حساب الاستيراد. فحسب أرقام تم الكشف عنها حديثا بلغت قيمة التبادل التجاري بين الطرفين نحو 129 مليار يورو في العام 2011 الأمر الذي يجعل من الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي. في التفاصيل قامت الدول الخليجية الست مجتمعة بتصدير واستيراد سلع قيمتها 56.6 مليار يورو و 72.2 مليار يورو على التوالي وهذا يعني تمتع الجانب الأوروبي بفائض يفوق 15 مليار يورو. ولا توجد غرابة على سيطرة المنتجات النفطية من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال على الصادرات الخليجية. وربما يمكن تفهم ذلك بالنظر لكون السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم. والحال نفسه فيما يخص قطر بالنسبة لتصدير الغاز الطبيعي المسال. في المقابل تنوعت الصادرات الأوروبية ما بين المعدات والطائرات والسيارات والمنتجات الكيماوية. ويمكن تفهم إصرار الجانب الأوربي على تعزيز صادراته لدول الخليج في الآونة الأخيرة بقصد التعويض علن الضرر الذي لحق باقتصادات دول مجموعة اليورو نتيجة بعض الأزمات مثل أزمة مديونية اليونان وتذبذب سعر عملة اليورو. وليس من قبيل الصدفة بأن تتصدر السعودية الصادرات الخليجية للاتحاد الأوروبي عبر تصدير سلع قيمتها 28 مليار يورو بالنظر لتربعها على عرش الصناعة النفطية. واللافت في هذا الصدد حلول قطر في المركز الثاني عبر تصدير منتجات تفوق قيمتها عن 13 مليار يورو. يعتقد أن قطر تسيطر على ربع صادرات الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم. تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في الوقت الحاضر تحديدا 77 مليون طن سنويا مقارنة مع 54 مليونا سنويا في العام الماضي. وقد تمكنت قطر من تعزيز أهميتها في شق الغاز من القطاع النفطي في أقل من عقدين من الزمان عبر الشراكة مع المؤسسات النفطية العالمية. من جهة أخرى تزعمت الإمارات موضوع الواردات عبر استيرادها سلعا من الاتحاد الأوربي بقيمة 32 مليار يورو. ويعد هذا الأمر تميزا للإمارات كونها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي بعد السعودية. مؤكداً تعود هذه الحقيقة بشكل جزئي لكون الإمارات أهم مركز تجاري في المنطقة بأسرها.وفي كل الأحوال لا تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بفائض مريح في ميزانها التجاري بشكل عام حيث ارتفع من 222 مليار دولار في العام 2010 إلى 520 مليار دولار في 2011. وقد حصل هذا التطور النوعي على خلفية ارتفاع أسعار النفط وبقائها مرتفعة خلال العام الماضي. ويضاف لذلك موضوع تعزيز الإنتاج النفطي لبعض الدول الخليجية على الأقل خصوصا السعودية فيما يخص التعويض عن حالة التذبذب لإنتاج النفط الليبي. على صعيد آخر لا يوجد حديث جدي حول فرضية إبرام اتفاقية للتجارة بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. بالعودة للوراء انطلقت المحادثات بين الطرفين بشأن المنطقة الحرة في العام 1988 لكنها فشلت في إحراز تقدم يذكر بسبب إصرار الجانب الأوروبي على الإتيان بأمور جديدة قبل الموافقة على التوقيع على إنشاء منطقة للتجارة الحرة. فقد أدخل الأوربيون في بعض الفترات متغيرات جديدة مثل عدم إساءة استخدام البيئة وضرورة منح الأقليات الموجودة في دول الخليج حقوقهم وبالتأكيد كانت هناك المسائل الاعتيادية مثل حقوق الإنسان والإصلاح السياسي.ويعود الأمر بشكل أساسي لوجود بعض القضايا التي بحاجة إلى حلول قبل أن يوافق الاتحاد الأوروبي على التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة. من جملة الأمور هناك شرط إزالة شرط تقييد التملك الأجنبي بنسبة 49 في المائة في بعض دول مجلس التعاون الخليجي. بدورها ترغب دول مجلس التعاون الخليجي بالوصول إلى بعض القضايا الاقتصادية الأخرى مثل مسألة فرض الرسوم على الألومنيوم الخليجي المصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي فضلا عن إفساح المجال للصادرات الخليجية من البتروكيماويات إلى داخل الاتحاد الأوروبي. كما هناك موضوع إلغاء التعرفة المفروضة على ورادات الاتحاد الأوروبي للألومنيوم من دول مجلس التعاون الخليجي. وكان الأمل كبيرا قبل عدة سنوات بتعزيز الظروف لتوقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بعد إبرام اتفاقية للتجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي مع رابطة التجارة الحرة الأوربية والمعروفة اختصارا باسم (ايفتا). تتشكل رابطة ايفتا من سويسرا والنرويج وأيسلندا وإمارة ليختتشتاتين. تهدف الاتفاقية إلى تحرير التبادل التجاري وتكامل الأسواق وتغطي تجارة السلع والخدمات والمنافسة وحماية حقوق الملكية الفكرية والمشتريات الحكومية وآليات تسوية المنازعات. لا تضم رابطة ايفتا كبريات الاقتصادات الأوربية لكنها تضم دولا مهمة بالنسبة للاقتصاد العالمي. على سبيل المثال يلعب الاقتصاد السويسري دورا حيويا على صعيد الاقتصاد العالمي خصوصا في مجال قطاع الخدمات المالية في ظل نظام السرية المصرفية. تعتبر الاتفاقية دليلا ماديا على موافقة بعض الاقتصادات الأوربية على القوانين التجارية المطبقة في دول مجلس التعاون. وعليه فإن دولا أوروبية مثل سويسرا والنرويج مطمئنة للقوانين والإجراءات التجارية في دول مجلس التعاون مما يبعث رسالة اطمئنان للدول الأخرى. كما تعتبر الاتفاقية دليلا ماديا على قدرة دول مجلس التعاون للوصول للقارة الأوروبية.في المحصلة من حق اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الزعم بأنها عالمية في تطلعاتها بدليل نتائج الميزان التجاري مع الاتحاد الأوروبي فضلا عن استعدادها لتوقيع اتفاقيات تجارة مع التكتلات الاقتصادية المختلفة.