11 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولة الدينية ومحاكم التفتيش

22 أبريل 2011

تعتبر دولة فرديناند وإيزابيلا نموذجاً للدولة الدينية لكنها تتميز عن معظم الدول الدينية في أوروبا بالتطرف والرغبة في فرض الدين المسيحي على البشرية قهراً، واستخدام كل الوسائل لتحقيق أهدافها دون الاهتمام بشرعية هذه الوسائل. ولقد استغل فرديناند وإيزابيلا الخلافات بين ملوك الطوائف في الأندلس، وعقدا تحالفات مع بعض هؤلاء الملوك أدت إلى إضعافهم جميعاً، وانتهت بالاستيلاء على الأندلس، وإنهاء عصر الحضارة الإسلامية الزاهرة. رغم هذا الانتصار الحاسم إلا أن فرديناند وإيزابيلا كان يشعران بالدونية أمام الحضارة الإسلامية، وهذا يفسر سلوكهما العدائي نحو هذه الحضارة ورغبتهما في تدمير شواهدها. ورغم التسامح الديني الذي تعامل به المسلمون مع المسيحيين إلا أن فرديناند وإيزابيلا تعاملا بمنتهى القسوة والوحشية مع المسلمين حيث فرضا على المسلمين خياراً مرا هو إما القتل أو التنصير.. وقد اختار مئات الألوف من المسلمين الشهادة، لكن عدداً كبيراً أيضا اختاروا أن يعلنوا اعتناق المسيحية بينما كانوا يضمرون التوحيد وأن يخفوا إسلامهم حفاظاً على حياتهم، لكنهم لم ينجحوا في ذلك فاكتشف البوليس السري الذي كان يتبع الكنيسة أن الكثير من المسلمين يعبدون الله سراً. لذلك فقد أقام القساوسة داخل الكنائس سجوناً سرية يتم فيها ممارسة أبشع أنواع التعذيب وقهر الإرادة الإنسانية، فإذا ثبت بعد التعذيب أن هذا الإنسان مازال في عقله وقلبه بعض الأفكار الإسلامية خاصة عن التوحيد فإنه يتم إعدامه. وقد أعدمت محاكم التفتيش الرهيبة مئات الألوف من المسلمين حتى تم إنهاء الوجود الإسلامي بشكل كامل من الأندلس. بعد أن نجحت محاكم التفتيش في القضاء على المسلمين، اتجهت للقضاء على اليهود الذين كانوا قد عاشوا لفترة طويلة تحت الحكم الإسلامي، فم يجد اليهود أمامهم سوى الهجرة إلى المغرب ثم إلى الدولة العثمانية وليساهموا بعد ذلك في إسقاطها. دراسة نموذج إسبانيا بعد الاستيلاء على الأندلس وإنهاء عصر الحضارة الإسلامية يوضح خصائص الدولة الدينية الأوروبية، وأهمها: 1- رفض الآخر والإصرار على نفيه ومنع وجوده، ولتحقيق ذلك فإنها تمارس الاضطهاد والقمع، ويمارس القساوسة دور القضاة والتنفيذ. 2- تحول الفرسان الذين حاربوا لإنهاء الوجود الإسلامي وإقامة الدولة إلى إقطاعيين يمتلكون مساحات شاسعة من الأراضي، وقد أداروا الدولة بعقلية شبه عسكرية، وربما يكون ذلك هو السبب في ظهور مفهوم الدولة المدنية وخلطه بمفهوم الدولة اللادينية أو العلمانية، وقد أسهم هؤلاء الإقطاعيون في عمليات التجسس والبحث عن المسلمين الذين يخفون إسلامهم وتسلميهم إلى محاكم التفتيش. 3- هناك بعض الأدلة الضعيفة على أن بعض المسيحيين الذين كان لهم بعض الأفكار المعارضة لسلطان الكنيسة والإقطاع قد تعرضوا للاضطهاد على يد محاكم التفتيش، كما تعرض للاضطهاد أيضاً الذين توصلوا إلى نتائج علمية تتناقض مع المعرفة التي تحتكرها الكنيسة. 4- تم إحراق الكثير من الكتب العربية، ولكن نجح بعض المسيحيين في نقل بعض هذه الكتب إلى بلاد أوروبية أخرى، وقد شكلت هذه الكتب أساساً للتطور العلمي والصناعي والسياسي فيما بعد. 5- الهدف الأعلى للدولة هو هدف ديني وبالتحديد هو نشر المسيحية وفرضها على العالم، دون الاهتمام بأي أهداف أخرى، حيث عملت الدولة، لتحقيق هدف واحد هو تحرير قبر المسيح من الكفار (المسلمين)، ولذلك جاءت الكشوف الجغرافية لجمع الذهب اللازم لتمويل الحملة. ويعتبر الملك هو راعي الكنيسة الأعلى ويستمد شرعيته منها وقراراته تعتبر إلهية باعتباره ظل الله على الأرض. 6- لا تهتم الدولة بحياة الناس العاديين حتى عندما يصبحون جنوداً يحاربون من أجل تحقيق الهدف الأعلى للدولة وهو نشر المسيحية. 7- إن ترجمة مفهوم الثيوقراطية إلى الدولة الدينية ليست ترجمة صحيحة، فالثيوقراطية مفهوم محدد ينطبق فقط على الدول التي سادت في أوروبا في العصور الوسطى، وهي دولة إلهية المصدر يحكم فيها الملك باعتباره ظل الله على الأرض ويتحالف مع الكنيسة التي تحتكر المعرفة والإقطاعيين الذين يملكون الأرض ومن عليها.