11 سبتمبر 2025

تسجيل

المناعي ورحلة سعيد المجبر بين النص والعرض

22 مارس 2016

إن أصعب التحديات التي ومن الممكن بأن تعترض مسار أي كاتب؛ لتقطع الطريق على رحلة أفكاره المتسلسلة والمتوجهة نحو بقعة جديدة تستدعي طرحاً جديداً لأي موضوع يشغله هي: تلك التي تتطلب منه تسليم (الحقيقة) كما هي، وليس كما قرر لها بأن تكون، بعد معالجتها وتحويلها (من وإلى)، وذلك لأن الحقيقة وحين تكون خالصة دون أن تدرك من الإضافات شيئاً تكون أصلية وأصيلة لا تعاني من تلك التغييرات، التي ومن الممكن بأن تعبث بهويتها؛ لتصبح غريبة الملامح ولا يمكن بأن تُقبل بسهولة، وعليه فإنه ومن الأفضل إن ظلت كما هي، إذ أنها النتيجة التي سيرغب بها القلب وسيُنادي بها العقل كل الوقت؛ لتبدو مناسبة للمتلقي الذي سيُطالب بها، ولن تقع مهمة تلبية ذلك إلا على ظهر الكاتب، الذي سيجد نفسه أمام أصعب تحديات حياته كما سبق لي وأن ذكرت آنفاً، وتحديداً أمام ما سأتحدث عنه اليوم من واقع تجربة جعلت قلمي يتردد كثيراً والسبب عبدالرحمن المناعي.إن التردد الذي عانى منه قلمي هو ما قد تورط فيه بعد أن قُدر لهذا المقال بأن يُسلط الضوء على جديد ما قد جاء به الفنان عبدالرحمن المناعي الذي ارتبط المسرح باسمه منذ زمن طويل، وأصبح رمزاً مسرحياً يُشرف أي قلم يقرر الكتابة عنه، فكيف هو الحال متى قُدر لتلك الكتابة بأن تكون بعد أن تلقيت دعوة ودية؛ لحضور تدريبات (انكسارات سعيد المُجبر) وهو العرض المُشارك بمهرجان الدوحة المسرحي لعام 2016 الجاري؟ مما لاشك فيه أن المسؤولية ستكبر؛ ليعاني القلم من حمل ثقيل، وذلك لأنه وكلما زادت معرفتك بالمناعي كلما زادت رغبتك بالتحدث عن كل ما تعرفه عنه دون أي تقصير يكون منك، وهو أصل هذا التردد الذي سأقضي عليه، برواية ما حدث من تلك اللحظة التي أُسدِلَ فيها الستار على مهرجان الدوحة المسرحي لعام الماضي، الذي وكعادته لا يُعلن النهاية، ولكنه يكون كفاصل تطل من بعده بداية جديدة، تكون من بعد مراجعة تفاصيل كل ما قد كان من قبل، ولا يستحق الوقوف إلا على تلك النقاط التي يمكنها تغيير صفحة المهرجانات اللاحقة وبشكلٍ أفضل أخذت من المناعي وقتاً لا بأس به، تمكن فيه من كتابة مسرحية جديدة لمهرجان هذا العام الجاري، وكان لي شرف التعرف على ذاك النص، ومن ثم تلبية دعوة حضور تدريبات العرض؛ لمتابعته بعد أن بُثت فيه الحياة، وخرجت منه بهذه الرؤية المتواضعة وجاءت كالتالي: إن ما حضرته وشهدت عليه قد كان عرضاً تجاوز مرحلة الورق، وبلغ مرحلة النضج التام؛ لامتداد رقعة التدريبات حتى أصبح الأداء محترفاً ومتمكناً لا يفصله عن الجمهور المتلقي سوى لحظة اعتلاء المَشَاهِد لِخَشَبَةِ الْمَسرح يوم العرض، الذي ستتلاحم فيه القدرات بالأدوات؛ لتترجم رؤية المناعي الإخراجية لقضية أزلية وهي قضية بحث الذات عن الذات، والتي ستتجلى من خلال حكاية تسردها أحداث متفقة النسق، ستذهب بالمتلقي حيث جوهر الحكاية؛ لتعود به منها؛ متشبعاً بتجربة إنسانية خالصة ستُحرك ما يسكن الأعماق بحركات لطيفة تسعى إلى التغيير، الذي يعتمده كل من ينتمي إلى المسرح شأنه في ذلك شأن المناعي، الذي لمست فيه خلال الأعوام الماضية ميله إلى المسرح؛ للمشاركة بأعمال الهدف الأساسي منها امتاع الجمهور المتلقي، ورفع سقف وعيه وإدراكه وإن كان ذلك بأدوات تتسم بالبساطة، أي بعيدة كل البعد عن التكلف الصاخب، الذي يضيع معه المتلقي، بعد أن يُجَر خلف هذا السؤال الخطير جداً وهو: أين هي الحكاية؟ فهو الحاصل مع بعض الأعمال المسرحية، التي تتكلف عناء الكثير سواه تقديم الحكاية التي تعد القاعدة الأساسية للعمل المسرحي، وإن لم يُقدر لها بأن تكون، فلن يُكتب للعمل برؤية النور أبداً، حتى وإن فاز بفرصته على خشبة المسرح، وهو ما قد عمله المناعي وبعبقرية تامة من خلال عمله، الذي يأسر المتلقي من الوهلة الأولى بحكم أن الحكاية حاضرة وبقوة؛ لأنها تخاطب الإنسان الذي يبحث عن نفسه وسط خيارات صعبة فإما أن يكون أو لا يكون، وهو ما سندرك حقيقته بالتعرف على النص، الذي سيبدو من خلاله بطل العمل ضعيفاً أمام خيارات تمسه، وتضعه أمام مواجهة شرسة بين ما يريد فعله وما يجدر به فعله، وسيدركه الجمهور ساعة اللقاء بإذن الله تعالى.وماذا بعد؟إن ما يتمتع به المناعي من خبرة حياتية صقلت موهبته يجعلنا نقف أمام مدرسة مسرحية قائمة بحد ذاتها، تمدنا بعلم لا يمكن تحصيله في أي مكان آخر، خاصة أن المُحرك الأساسي لكل شيء هو كل ما يتمتع به (نجمنا) من أخلاقيات عالية يتقدمها التواضع التام، الذي يجعله يبحث عن الجديد دوماً دون أن يتوقف عند حقيقة أنه صاحب مدرسة مسرحية مرموقة تمنحه فرصة التباهي بما يملك دون أن يسعى إلى تطوير ذاته من خلال البحث عن الجديد في أماكن أخرى، لها شرف التعلم منه، أليس كذلك أيها المناعي؟الجائزة الحقيقيةإن ما يفصلنا عن مهرجان الدوحة المسرحي، الذي تتلاحم من أجله كل الطاقات البشرية المُحبة للمسرح؛ لتنصب في قالبه ليس سوى مجرد أيام ما أن تمضي بسلام حتى نصل لتلك اللحظة التي شغلت الجميع، وانشغل بها الجميع؛ لإدراك تلك الجهود التي كرست نفسها من أجل تقديم أفضل ما لديها؛ سعياً لإحداث التغييرات المرجوة في الحياة، فهي الجائزة الحقيقية التي تُثمن الجهود، والمكافأة التي يسعى إليها من يعرف المسرح وما يسعى إليه. وأخيراً: ومن خلال هذا المنبر أتقدم بأصدق الأمنيات للجميع، على أمل أن يكون الفوز للأكثر إبداعاً، والأكثر قدرة على ترسيخ اسمه في ذاكرة المتلقي.