12 سبتمبر 2025
تسجيليزدحم الربيع بالأعياد، وفي كلّ عيد يجب أن ترحل إلى هناك، إلى شعراء تعلّمت منهم كيف تكمن للقصيدة، وشعراء تعلّمت منهم كيف تتبعك قطعانها بكلمة واحدة، كان ثمة شعر، وكان ثمة مواسم، يحتفل الناس بالكلمات قبل أن تضيع خطانا في أسواق النت، الربيع هناك كلمات محبّرة على ورق مدرسي مسطّر.كلّما جاء يوم الشعر العالمي في 21 من مارس تذكرت بطاقات الورق المقوّى التي تعلّق في غير مكان على حيطان المدينة الطينية، كنت في الصفّ السّابع حين تسرح عيناي في خطوط ملوّنة لعبارة "الأمسية الشعرية" على حائط لجدار عارٍ في شارع الوحدة، ونحن نقطع الطريق إلى الجزء الأكثر رقيًّا في المدينة. أقرأ أسماء لشعراء صاروا أصدقاء، قبل أن يُقتَلع الإعلان ويحلّ مكانه إعلان مباراة الكرة القادمة.في تلك المدن الريفية، كانت المراكز الثقافية مصادر معرفة، قبل أن تهيمن الفضائيات، وكانت الأماسيّ تعجّ بالحضور، وبخاصة إذا كان فرسانها من أولئك المكرّسين إعلاميًا، أو القادمين من العاصمة، أو الشعراء المشاغبين في فضاء الحريّة الضيّق، قبل أن يسرق نجما الكتابة تركي الربيعو وإبراهيم محمود الأضواء من الشعر، ويضعان القراء أمام فضاء جديد، فضاء تتنازعه المعرفة والفلسفة والسياسة.يزدحم الربيع بأعياد الكرد حيث النيروز الذي تسبقه وتتلوه مناسبات قصيرة استدعتها أحداث المنطقة الساخنة، فيسمون طابع المكان بطابعهم في الربع الأخير من هذا الشهر، وفي النيروز يصطفي الكرد من ألوان الربيع ما يجلب البهجة، ويثير مكامن الجمال. هناك حيث تتجاور القرى، ويتبادل الناس التهاني، تعبيرًا عن احترام الاختلاف، برغم مواسم التطرّف التي لا تنتهي.الربيع قصيدة، وإن كانت الحروف مكلومة، وما بين عربها وكردها لا يمكن فصم عراه بنزعات كراهية هنا وهناك، والشاعر الذي قال يومًا معتزًا بعروبته: "نحن أبناء يعربٍ" هو الشاعر ذاته الذي لم يجد في الربيع إلا وردة الكرد: "وقد نبّه النيروز في غسق الدجى".