11 سبتمبر 2025

تسجيل

بطُ وبجعات

22 فبراير 2022

سأل الناقد جورج براندز، الكاتب والشاعر الدنماركي الكبير هانز كريستان اندرسن ذات مرة عما إذا كان قد فكر في كتابة قصة حياته، فأجابه أندرسن بأنه سبق له أن كتب قصة حياته في "حكاية فرخ البط القبيح". وتدور حكاية فرخ البط القبيح، حول فرخ بط وُلد في مزرعة، فرفضته وتقززت منه وتنمرت عليه بقية البط التي رأت أنه بشع وكبير الحجم، فبدأ فرخ البط رحلته في التنقل بين الحيوانات باحثاً عمن يحبه ويقبله كما هو، فكان الرفض يقابله من كل جهة، حتى خرج من المزرعة، ولكن الحال لم يكن أفضل في العالم الخارجي، فاضطر إلى العيش وحيداً إلى أن كبر وسئم الحياة، وقرر بعدما رأى سرب بجعات جميلة تحط على بحيرة قريبة منه، أن ينضم إليها، فعلى الأقل إن رفضته أو هاجمته ستكون نهايته على يد مخلوقات بديعة. اقترب البط القبيح من البجعات فابتهجت لرؤيته ورحبت به على عكس توقعاته. وتحت تأثير الصدمة، نظر البط إلى انعكاسه على وجه البحيرة، فتفاجأ بأنه بجعة بيضاء جميلة، لقد كان بجعة بيضاء جميلة طوال هذا الوقت دون أن يعي ذلك. ففرد جناحيه وطار مع السرب.. طار مع عائلته الجديدة. لم ولن تكن قصة فرخ البط القبيح قصة هانز كريستان اندرسن وحسب، هي قصة كل إنسان ذبل وكُسر وتعذب بين جماعة لم تحبه ولم تشجعه، هي قصة كل إنسان أخفى فنه أو علمه أو هواياته كيلا ترفضه عائلته أو أصدقائه أو بيئته، هي قصة كل إنسان مختلف ظن أن اختلافه "علة" لا (تفرد) بين أهله وناسه ومن حوله. قرأنا هذه القصة كثيراً وتوجعنا من حدوثها مراراً و تكراراً، ظن البعض بأنهم لم يكونوا أبداً فرخ البط القبيح، لتأتي نهاية حياتهم ويعوا بأنهم كانوا طوال الوقت ذاك البط القبيح الذي لم يكن قبيحاً أبداً ولكنه كان بجعة لم تجد العائلة التي تحبها وتشجعها في حياتها. يحيا البط الوسيم وتحيا البجعات المليحة، فلا وجود لفروخ البط القبيحة، هناك أناس مختلفون عنا وأناس يشبهوننا، هناك أناس سيتقبلوننا كما نحن وأناس سيرفضوننا لأننا نحن، هنالك ناس سيحبوننا ويكونون عائلتنا المختارة التي تشجعنا وتتمنى فوزنا في هذه الدنيا وهناك أناس قد يقفون ضدنا ويكرهون وجودنا، يقع علينا حمل البحث عن عوائلنا وأحبائنا وجماعتنا التي سننمو في ظلهم وبصحبتهم.. فهم من سيساعدوننا على إخراج أجنحتنا ويسعدون بالطيران معنا.