11 سبتمبر 2025

تسجيل

دمعة حلب

21 ديسمبر 2016

تستحقّ حلب البكاء، على الأقل أن تشاهدها بين يدي الخطّاط وهو يكتب نقطة الباء آخر المشهد، ثمة بكاء لا يشبهه بكاء، ودموع لا تشابهها دموع، وعندما تجتمع نقطة الخطّاط بدموع السماء، فثمة ما يؤكد أن المشهد شتويٌّ، وأن الأطفال الذين تركت لهم الطائرة العراء، يقبضون على معنى حلب، المدينة. حين يعلو الموت ليصل النوافذ، وتعلو الحياة لتصبح في يدي قنّاص، ويعلو الرغيف ليصبح في يد القاتل، فكيف للمدينة أن تترك أولادها. لحلب جنونها، ولكنها السيّدة المحافظة، ولها ولعها ولكنّ إخوتها السبعة نائمون، يا شيخ القدود، وقصرها العالي هدمه الطائر، فلماذا دللت القاتل الذي جاء في ثوب العاشق على المدينة؟ أمس، تعبر النساء طريقًا معبدًا بالعدسات، وبكاء الناظرين أمام الشاشات، ولكنّ ولدًا فوق العاشرة، علمّته الحرب أن يتخطّى طفولته، يتخطّى ألعاب الكومبيوتر، يتخطّى السؤال عن المدرسة، طفل فوق العاشرة بقليل، يقود الجمع، الجمع المديد، لا أحبّ أن أتابعه، ولا أريد لعدسة قناة تلفزيونية أن تستضيفه، ولا لأسرة ميسورة أن تتبنّاه، لتكفّر عن صمتها وتخاذلها، أريد له أن ينشأ بعيدًا، ويأخذ حظّه من الشقاء والتمرّد والحرمان، ليكمل هذا الطريق الذي مشاه بالأمس، ولدًا معجونًا بيقينٍ لم يبصره الكبار. ولكنّ حلب قريبة، قريبة حدّ الحياة التي أراها حين تغفو نشرات الأخبار، وتضيق بالدم والوحل والباصات الخضراء، حلب قريبة، والنساء اللاتي مررن قريبات، فيهنّ رأيت أمًّا وعمّات وخالات، ورأيت جبّ القبّة في وجنتي العجوز المقعد، وهنانو في العجائز الذاهبات إلى الفصل الجديد من الكارثة، هناك... أقصد هنا، رأيت منذ ثلاثين عامًا ، نساءً عائدات من الفرن، وجه الصباح.