12 سبتمبر 2025

تسجيل

تقديم

21 ديسمبر 2015

في أحد الأيام كتبت لشاب أراد كلمة طيبة، من أجل نص عادي لم أحسه متقدما، بحيث يضيف إليّ شخصيا، وإلى منظومة الحكي نفسها، قلت له: كل ما في النص يجعله نصا، لكني لست منبهرا، ولعل اختلاف التذوق ما جعلني غير راض. فقاطعني صاحب النص وكتب ضدي، وكان من الذين يساندون تجربتي، وبالطبع آلمني ذلك وتمنيت ألا يسألني أحدهم شيئا من ذلك مرة أخرى، وأن يقدم كل صاحب تجربة، تجربته بعيدا عن الوصاية، وتفعيل أدوار لآخرين، ربما هي أكبر منهم.أنا أقولها صراحة وربما قلتها قبل ذلك مرات: إن تفعيل مثل هذه الأدوار الكبيرة، والمتفوقة للمبدعين الذي يحاولون تجويد إبداعهم فقط من دون الاحتكاك بأحد، يزيد من عمليات صناعة الأصنام بشدة، ويحول كثيرين هم في الأصل ودودون ورائعون، ويحبون مساعدة الناس، إلى أشخاص آخرين لن يتمنى أحد أن يلتقيهم بعيدا عما يطالعه من إبداعهم، وأعرف من كان يحمل عصا حقيقية، يهش بها على من يقتحم عزلته المزركشة بالإطراء الكثيف لتجربته، وهناك من يحمل صوتا طاردا، ودائما ينغلق خلف باب كان مفتوحا على مصاريعه من قبل وأغلقته شهوة السيطرة على منابت الإبداع حتى لو كان ذلك وهما.بالنسبة لتقديم الكاتب نفسه عبر المجلات، والصفحات الثقافية، في الصحف اليومية، في بدايات الكتابة، كان الأمر أيضا صعبا للغاية، خاصة أن تلك المجلات والصفحات الثقافية، كانت محدودة العدد، بشكل كبير، ويتولى الإشراف عليها مبدعون برتب عالية في الإبداع، وصحافيون، لا يجدون المعلومات مكومة في صفحات تويتر أو فيس بوك، وتنتظر من يوقظها ويلمها، لينشرها في صحيفة، ولكن يسعون خلف آثار واهية للمعلومات حتى يعثروا عليها وربما لا يعثرون عليها على الإطلاق، لكن كان ثمة اهتمام كبير من الناس، والنص الذي يقهر كل تلك الصعوبات، وينشر في مجلة أو صفحة ثقافية، يظل محفورا في ذاكرة القراء لفترة من الزمن، ولا يضيعه من الذاكرة إلا نص آخر أكثر جدة يأتي فيما بعد. وتأتي مسألة طباعة الكتب نفسها، ولم يكن هناك أكثر تعقيدا منها، لم تكن ثقافة تمويل الكتاب موجودة ولا يحكم مسألة النشر إلا تذوق الناشر شخصيا، أو من يتولى التذوق بدلا عنه، وكان معظم الناشرين من المبدعين أصلا، وأنشأوا دور النشر دعما للإبداع، لذلك كان ديوان شعر مثل: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، مثلا، أول مجموعة لأمل دنقل نهاية الستينات، ونشرتها دار الآداب التي أسسها سهيل إدريس، عملا كبيرا في كل شيء من دفقة الشعر وحلاوته، إلى المعنى الملتصق بكل نص شعري، ومؤكد لن يعبر عمل شعري لا يملك تلك المقومات، ولعل دار العودة بيروت، كانت من دور النشر التي تعلن أنها تحتفي بمبدعين معينين، يقفون على عتبتها الخضراء، كان فيهم درويش وسميح القاسم وأمل جراح وغيرهم.