17 سبتمبر 2025

تسجيل

قمة الدوحة تؤكد التكامل الاقتصادي الخليجي

21 ديسمبر 2014

حققت قمة مجلس التعاون الخليجي رقم 35 في الدوحة، إنجازات اقتصادية على الرغم من سيطرة الملفات السياسية والأمنية على جدول الأعمال بالنظر للظروف الاستثنائية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. للأسف، يشكل الواقع الأمني والسياسي في بعض الدول العربية مثل اليمن وسورية والعراق وليبيا ولبنان تحديا مستمرا. حقيقة القول، سجلت القمة تقدما لمشروعي الاتحاد الجمركي من جهة وتشييد قطار بين دول المجلس من جهة أخرى. كما تم التأكيد على أمور ذات أبعاد اقتصادية ومالية بالنسبة لأسواق المال فضلا عن خطط دمج توزيع شبكات الماء.مما لا شك، واجه تنفيذ الاتحاد الجمركي إشكالية منذ إنشائه في عام 2003. يدعو المشروع إلى تبني سياسة تجارية موحدة مع الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون، وهو أمر ليس بالهين بالنسبة للاقتصادات التي تتمتع بمزايا تنافسية في مجال التجارة الخارجية.وبعد تأجيلات متكررة، تم الاتفاق على التنفيذ الكامل للمشروع في عام 2015.. ومع ذلك لم يقطع البيان الختامي لقمة الدوحة الشك باليقين فيما يخص حصول التزام محدد للتطبيق الكامل لمشروع الاتحاد الجمركي في عام 2015، ما يؤكد استمرار وجود بعض العقبات بطريقة أو أخرى. وتبين بالتجربة بأن التحديات المتعلقة بمشروع الاتحاد الجمركي تتضمن أمورا مثل تطوير صيغة عادلة لتوزيع الرسوم الجمركية مع مراعاة القضايا المتعلقة بميناء الدخول والوجهة النهائية للسلع فضلا عن حماية مصالح الوكيل.كما تشمل التحديات الأخرى معضلات إدارية وبيروقراطية بخصوص انسياب حركة الشاحنات عبر إيجاد ممرات خاصة لشاحنات الترانزيت وللمنتجات الغذائية سريعة التلف للمحافظة على صلاحيتها فضلا عن منح تأشيرات للسواق والذين يأتون من دول مختلفة. على صعيد آخر، خيرا فعلت القمة بالتأكيد على الانتهاء من مشروع السكك الحديدية المشتركة على مستوى دول مجلس التعاون. وفيما إذا سارت الأمور بشكل مناسب، يتوقع أن يصبح المشروع مكتملا بحلول عام 2018. وربما تأخرت دول مجلس التعاون في تطبيق مشروع السكك قياسا بتجارب مناطق أخرى وخصوصا دول الاتحاد الأوروبي. لكن لا يبدو الانتهاء من تنفيذ المشروع أمرا هينا لأسباب هيكلية وليس مالية، إذ يتطلب الأمر تهيئة البنية التحتية لمساحة شاسعة تزيد عن ألفي كيلومتر.. ويمكن القول إن بعض دول مجلس التعاون متقدمة أكثر من غيرها في تهيئة الأرضية لهذا المشروع الحضاري والذي سوف يشكل نقلة نوعية في طبيعة التنقل بين الدول الست متى ما تم تدشينه. كما سوف يشكل تدشين المشروع علامة فارقة في مجال تعزيز التعاون التجاري وذلك في إطار مشروع السوق الخليجية المشتركة والذي دخل حيز التنفيذ مطلع عام 2008 والذي تم إقراره في قمة سابقة في العاصمة القطرية. الكلفة التقديرية لمشروع سكك الحديد أقل من 16 مليار دولار وهو رقم ليس بخطير بالنسبة للدول الخليجية.. تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي ثروة سيادية مشتركة تزيد عن 2.4 تريليون دولار أي 37 بالمائة من قيمة الثروة السيادية على مستوى العالم.. وربما كانت الكلفة الفعلية أقل من ذلك بكثير لولا تأخر المضي قدما بمشروع من هذا النوع أسوة ببعض الكيانات الاقتصادية الأخرى وخصوصا في أوروبا.علاوة على ذلك، اعتمدت قمة قرارات أخرى ذات أبعاد وآثار اقتصادية لاسيما مواصلة العمل بالمبادئ التوجيهية الموحدة للأسواق المالية داخل دول مجلس التعاون الخليجي.. توقيت الإشارة لهذا الأمر حساس في ضوء تأثر أسواق المال وتوجهات المستثمرين بهبوط أسعار النفط وبالتالي أداء البورصات.إضافة إلى ذلك، أكدت قمة الدوحة على أهمية إقامة شبكة دمج لتوزيع المياه بحلول عام 2020 فيما يبدو أنه بناء على نجاح مشروع الربط الكهربائي.. وقد تبين بالتجربة فوائد مشروع الربط الكهربائي من خلال توفير الطاقة للدول الأعضاء الأكثر حاجة للطاقة خلال فترة الصيف.اللافت في الأمر تميز القمم التي تستضيفها الدوحة بتحقيق اختراقات في مجال التعاون الاقتصادي الخليجي. فقد انطلق مشروع السوق الخليجية المشتركة من قمة 2007 في الدوحة. يرتكز المشروع على مفهوم منح وسائل الإنتاج مطلق الحركة في التنقل بين الدول الأعضاء. من جملة الأمور، يؤكد مشروع السوق الخليجية المشتركة على أمور جوهرية مثل 1(( مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية 2)) تملك العقار 3 ((المساواة في المعاملة الضريبة 4)) تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات 5 الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.وحسب الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، من شأن تطبيق السوق الخليجية المشتركة تعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصاديات الحجم، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين الوضع التفاوضي لدول المجلس وتعزيز مكانتها الفاعلة والمؤثرة بين التجمعات الاقتصادية الدولية. وفي هذا الصدد، يلاحظ بأن دول مجلس التعاون الخليجي لم تتوصل حتى الآن إلى اتفاقية لتأسيس منطقة للتجارة الحرة مع دول الاتحاد الأوروبي. تقليديا، تضمنت مطالبات الاتحاد الأوروبي أمور مثل تبني دول مجلس التعاون سياسات تجارية موحدة مع الدول الأخرى أي في إطار مشروع الاتحاد الجمركي.. طبعا، لم تغفل دول الاتحاد الأوروبي مطالبات أخرى مثل الحقوق السياسية والبيئية. بكل تأكيد، ساهمت القمة رقم 35 في الدوحة بالدفع باتجاه تحيق المواطنة الاقتصادية من خلال بعض مناقشة مسائل حيوية مثل سكك الحديد ودمج شبكات توزيع المياه لكن يبقى كل شيء رهن التطبيق.نقول هذا بالنظر لتأخير تنفيذ مشروع الاتحاد الجمركي والذي انطلق في عام 2003 حيث تبيت الصعوبات مع بدء تطبيق المشروع على الأرض في ظل تباين الأهمية النسبية للتجارة الدولية في اقتصاديات الدول الست. في المحصلة، تشكل المشاريع التكاملية الاقتصادي حجر الزاوية لتحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية بعد مرور ثلاثة قرون ونصف القرن على إطلاق هذا الصرح الخليجي.