11 سبتمبر 2025
تسجيلبعد ما يقرب من أسبوعين من عملية طوفان الأقصى المجيدة، بدأت تتداول أخبار وتسريبات أغلبها أمريكي عن وساطة قطرية في غزة. ولم تمر أيام معدودة حتى تكشف عن وساطة قطرية قوية في غزة يقودها أمير البلاد « سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني «. وحتى كتابة هذه السطور، تتصدر قطر جهود الوساطة في غزة سواء منفردة في بعض المسائل كوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفع، والرفض التام لتهجير أهالي القطاع إلى الجنوب، أو بشكل مشترك مع بعض الأشقاء لاسيما في ملف الأسرى، حيث توجت هذه الجهود بإفراج حركة المقاومة حماس عن بعض الأسرى من الأطفال والنساء الطاعنات في السن. ويبدو جليا أن الآمال العربية والغربية معلقة بشدة على الوساطة القطرية لوقف نزيف الدماء في غزه، والتوصل إلى تسوية بين حماس وإسرائيل منطلقها الرئيسي تبادل الأسرى. قد غدا من المألوف في المنطقة خلال السنوات الخمس الماضية، أنه بمجرد اندلاع أزمة عنيفة تتجه الأنظار العربية والعالمية إلى قطر بحسبانها الوسيط الأمثل المرتقب للتدخل في حل الأزمة. ومن ثم، فليس من المستغرب أن تتصدر قطر الوساطة في غزة حالياً. وعلة ذلك أسباب متعددة، لعل أبرزها، مركزية الوساطة في السياسة الخارجية القطرية، إذ تعد الوساطة أبرز أدوات القوة الناعمة لقطر. وأيضا، خبرة قطر العميقة التي تناهز العقد ونصف العقد في الوساطة، إذ لعبت قطر دور الوسيط الناجح في جل صراعات المنطقة منذ عام 2006. فالوساطة القطرية قد تمكنت في حل أزمة دارفور، والصراع في لبنان، والخلاف بين جيبوتي وإريتريا، وإنهاء أكبر حرب في المنطقة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان أفغانستان. وخلال تلك الخبرة الطويلة للوساطة القطرية، وهو العنصر الأهم الذى يعول عليه الغرب تحديدا لإنهاء الصراع في غزة، أثبتت قطر أنها وسيط محايد، يتمتع بعلاقات وثيقة مع كل الأطراف، لديه الصبر على حل الصراعات الشديدة التعقيد كالصراع في دارفور، قادر على طرح الحلول والمبادرات البناءة، ساعي إلى السلام والاستقرار في المنطقة، وقادر أيضا على فرض النفوذ البناء لتسيير المحادثات الشائكة. وعلى أساس ذلك، نرى أن تهافت الغرب وتحديدا الولايات المتحدة إلى قطر للعب دور وساطة رئيسي فعال في غزة، يكمن في قناعته التامة بان قطر هي الوسيط الأمثل حاليا لإنهاء هذا الصراع. تدعم قطر وبشكل صريح وعلني حركات المقاومة المناضلة، ولا تتوانى مطلقا عن نبذ ومحاربة الإرهاب والجماعات التكفيرية. فقطر كانت من طليعة الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة داعش في سوريا والعراق، وكانت شريكا رئيسيا مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، وتنبذ قوانينها ومناهجها التعليمية جميع الأفكار المتطرفة البعيد عن تعاليم الإسلام الحنيفة. وبالعودة إلى الوساطة القطرية، فعلاقات قطر المتميزة مع حماس، قد أهلتها أولا إلى أن تكون شريكا موثوقا يقبل به حماس، وثانياً أن تكون وسيطا قادرا على التأثير البناء على حماس للتوصل إلى حل لإنهاء الأزمة. وبما أن الحرب في غزة متداخل فيها اطراف وأبعاد إقليمية، لاسيما إيران وحلفائها في المنطقة. فعلاقات قطر المتميزة مع إيران ووكلائها، تجعلها في الوضع الأمثل كوسيط قادر على التأثير على إيران ووكلائها، والحيلولة دون اتساع رقعة الحرب في غزة إلى حرب إقليمية ستضع استقرارا المنطقة برمته على أهبة الريح. وهذا ناهيك بالطبع عن علاقات قطر المتميزة مع الولايات المتحدة وأوروبا المتورطين في الحرب في غزة بصورة واسعة. ومن ثم قدرة قطر على التأثير البناء على الموقف الغربي برمته للضغط على إسرائيل، ويبدو أن بعض الدول الأوروبية قد بدأت في إحداث تغيير جزئي في موقفها الداعم لإسرائيل. حيث بدأت تتعالى أصوات تدين مجازر إسرائيل الوحشية في غزة، وتطالب بسرعة إيجاد حل للأزمة. الوساطة القطرية في غزة ليست سهلة، إذ ربما تعد من أصعب الوساطات التي ستخوضها قطر في تاريخها. فالصراع بين إسرائيل وحماس يبدو حتى الآن صراعا صفريا على الأقل من جانب إسرائيل التي تريد الإفراج عن جميع الأسرى، والقضاء التام على حماس. لكن يبدو أن هناك بارقة أمل قد تبدت من تصريحات بعض الدول الغربية لاسيما الولايات المتحدة ويدور مفادها حول ضرورة التفاوض أو الحل السياسي وإدانة التهجير القسري لأهالي غزة، والتحذير من مغبة انفلات الوضع في غزة، وانتقال الأزمة إلى مربع صراع إقليمى واسع، فضلا عن التحذير الذى يبديه بعض الأكاديميين والخبراء الإسرائيليين من الخطورة البالغة من استمرار الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي والوضع الداخلي برمته لاسيما تفاقم أزمة هجرة يهود الداخل إلى الغرب. واستنادا إلى ذلك، تتأتى أهمية الوساطة القطرية مدفوعة بدعم غربي كبير خاصة خلال الفترة القادمة، لتكثيف الجهود الدبلوماسية استنادا إلى خبرة وعلاقات قطر الواسعة من أجل التوصل إلى تسوية في غزة لابديل عنها من أجل أمن واستقرار الوضع الإقليمي برمته.