10 سبتمبر 2025

تسجيل

قيمة كل امرئ حديث قلبه !

21 نوفمبر 2023

تطول الأحاديث، وتتنوع بتعدد الموضوعات والأهداف، لتبادل المصالح وتسير الحياة، فما الإنسان إلا كائنٌ اجتماعي، أدرك أن للتواصل مع الآخرين له من الآداب والقوانين ما يسمو به ويزدهر من حسن المنطوق والعناية باختيار طيّب القول، وحُسن المقصد، وانتقاء المقام والزمان لما يُقال وما لا يُقال فتتطوّر العلاقات وتزدهر بطيب الأحاديث، ويزداد الوصل قرباً بحُسن إدارة الخطاب والارتقاء به. وقد يغفل المرء عن حديثه الأهم، وحواره الأجّل الأعظم، حديثه مع نفسه، حواره الداخلي الذي يجوب أرجاء نفسه كل لحظة ربما دون أن يشعر! فما حديث الإنسان مع نفسه إلا حديثٌ صامتٌ لا ينتهي، أصواته متداخلة متعالية وفي بعض الأحيان متصارعة متناحرة ! فالنفس ساحة مساجلات لديه، ينتصر فيها الصوت الذي يُغذيّه بظنونه، فتنعكس تالياً على شعوره ومسلكه وتصطبغ بها نظرته لكل شيء بعدها. لذلك من حَسُنَ حديثه مع نفسه، صادقاً، محسناً الظن بالله، متيقناً بُحسن تدبيره، ومُسلّماً مقاليد أمره إليه، فلن يتوه أبداً..ذلك لأنه سيكون بمعيته في كل حين، واثقاً مطمئناً لا تتخبطه الظنون، فيتمّلك قوة الحوار معها في طيّات حديثه، يُعيد اتصالها كل حين بحديث روحه الصادقة لمهجة قلبه، يستمدّ منها ويغوص بين ثنايا ودها ولطف توجيهها، ويتخذّ عهداً معها لا يحيد عنه ولا يزّل. وكلما نحّى الركام عنها علا صوتها وامتدّ واتسع، وحلّق هو معها وارتفع لا يخشى شيئاً، وطرق أبواباً ربما لا يألفها ولكنه يعلم في قرارة نفسه أنها بوابات تفتح له مدارات جديدة وسُبلاً جليلة غير مطروقة. وكما قيل: قيمة كل امرئ حديث قلبه *لحظة إدراك: إزالة الكُلفة واللياقة مع النفس من شأنها أن تُكلّفك كثيراً، فللنفس حرمتها ومقامها الرفيع عند بارئها، فلها حق الإكرام الذي من أجلّ مظاهره حسن المنطوق معها، والحديث معها كأقرب صديق، تتعاهده بطيّب القول، ورقيق الكلمات، التي تواسي وتُشجع وترمم، وتسامح وتعفو وتتجاوز، والتي تزيدك يقيناً وثقة بخالقك وخالقها، فتتحوّل معك إلى ولّي حميم، قد صفا لك وده، وأعانك على الحق والفلاح في كل ما تطرقه من أبواب.