29 أكتوبر 2025
تسجيلحين يتعلق الأمر برد الجميل، فإنه ومن المتوقع من المرء منا-والحديث عن كل من له علاقة سوية بروحه- بأن يتملكه الشعور الدائم بأن هناك ما يغمره؛ لذا نجده كل الوقت وهو يسعى جاهداً بالبحث عن كيفية رد ذاك الجميل وبشكلٍ جميل يليق به، حتى وإن لم يتمكن من مجاراته، فيبدأ به دون أن ينبس بنية التوقف حتى يأتي بكل ما لديه، فإن فعل فعلاً ورشف الرشفة الأولى من (الامتنان) ذاب كل تعبه الذي سبق له وإن حل عليه في مرحلة من المراحل، واستصغر كل ثانية وَدَّ فيها لو أنه توقف؛ لعدم تمكنه من التقدم بعمل يرد به ذاك الجميل لصاحبه، الذي سيحصد مكانته بقدر ما تبذله نفسه وتأتي به، فيكون بذلك كمن ساهم وبتحديده لتلك المكانة بمهمة التقدم بما يليق حتى يكون، والآن وبما أن الكلام قد وصل بنا إلى ما يليق بأن يكون، فيجدر بنا طرح هذا السؤال: ما الذي ومن الممكن بأن يليق لرد جميل ذاك المخلوق الجميل، الذي ومن اللحظة التي قُدِرَ لنا بأن نجتمع معه فيها، وجدناه وهو يحرص كل الحرص على توفير كل ما لديه؛ كي يُشبع رغباتنا، ويُلبي حاجتنا، حتى من دون أن ننبس بحرف واحد؟ فنكون كمن يعيش على حسابه، وهو من يُرحب وبحب صادق بكل ما نريد، دون أن يفكر بالتوقف أبداً؟ وكيف له أن يتوقف، وهو من قد سخر نفسه لمهمة الاهتمام بنا حتى آخر نفس يود لو أنه يدوم فقط؛ كي يظل معنا، حتى وإن كان ما قد تقدمنا به قليلاً جداً لا يليق بعظيم ما قد جاء من هذا المخلوق العظيم الذي يختزل كل معاني العطاء في كلمة واحدة ألا وهي (أم)، التي وحين يكون الكلام عنها، وهي تلك التي تُعرف على أنها صاحبة أطيب قلب، أشعر بأن الكلمات تفلت مني وتفر بعيداً عني؛ لأنها لا تعطيها حقها، وهي من لم تبخل بأي شيء أبداً، ولعل هذا السبب المتواضع هو ما يحث قلمي على الابتعاد عن ساحة الكلمات والبدء بالعمل- الذي يفرض علي كتابة التالي، وتوجيهه لكل من لازالت (أمه) وجنته على الأرض، وهو: الأم تحتاج لأفعال تقابل كل ما قد كان منها لنا جميعاً، وحين نقول أفعال فنحن نعني، التفكير بكل ما يمكننا فعله في سبيل تسخير كل ما نستطيع تسخيره من وقت لها، يضم توفير كل وسائل الراحة، التي يعني تواجدها غياب مشاعر العوز والحاجة، أي تلك التي وإن غابت فلن تفتقد وجود أي شيء تحتاج إليه، وهو ما يتطلب منا متابعة جادة لها؛ لمعرفة كل ما ينقصها، وهو ما لا يقف عند حدود الأشياء المادية، ولكن المعنوية على حد سواء، إذا لا قيمة لكوب الماء ما لم ترافقه ابتسامة لطيفة تقول (بالهناء يا أمي)، ولا قيمة لمرهم دواء نُجلبه لها؛ كي ندهن أطرافها المتشققة دون أن نقول (بالشفاء يا أمي)، ولا قيمة لصباح يعقبه مساء دون أن نقول لها (دمتِ لنا سالمة يا أمي)، ولا قيمة لأي نجاح نحققه ما لم نرفقه بشكر حقيقي ونابع من القلب نختمه بكلمات رقيقة كـ: (ما كنت لأنجح ما لم تساعديني وتقفي إلى جانبي يا أمي) وغيرها من الأمور، التي وإن أمعنا النظر فيها وبشكلٍ جيد؛ لأدركنا أننا قد نجحنا فيها أو قمنا بها بفضل الله أولاً ومن ثم جهود هذه الأم العظيمة، التي وإن كبرنا وارتقينا وأدركنا من الدنيا ما قد أدركنا، إلا أننا سنظل ذاك الجزء المنتمي لكلِ ما كنا لنكون إن لم يكن لنا (أدامها الله لنا، وحفظها من كل سوء اللهم آمين).وأخيراً إن القضايا التي تطرأ على ساحة البشرية بين الحين والآخر وتأخذ منها حيزاً كبيراً يشغل من فيها، لا يمكن أن تشغلنا وتُبعد كل واحد منا عن أمه، فهي من تستقبلنا وتستقبل منا كل ما تجود به قلوبنا في كل حين، وتصبر بل وتتحمل مزاجية تلك القلوب التي تميل في كثير من الأحيان لأمور أخرى لا خير فيها بعيداً عن تلك الأم، التي تظل صامدة رغم تكالب ظروف الزمن عليها، وتقف شامخة؛ كي تدعو وبكل حب لأبنائها الذين مهما ابتعدوا، إلا أنها تأمل بأن يُعيدهم الصواب إليها من جديد، فتحية لكل أم تستحق منا ذلك، نُمرقها عبر هذه الصفحة، والأمل بأن تصل إليها وهي تنعم بكل خير.من همسات الزاويةأجمل الأشياء التي تُبث في أعماقنا الفرح (مشاعر الحب)، التي تطل علينا فتمسح كل دمعة حزن يمكن أن تشق قنواتها عبر الوجوه، وأجمل أنواع الحب هو ذاك الذي تكنه الأمهات لنا، ولا تنتظر منا ما يقابله غير شيء من البر، الذي سنبذله اليوم كجميل (جميل) لبعض ما كان من الأمس، وعليه لا تبخل بشيء منه، ولتكن البداية كلمة حب صادقة توجهها لأمك، وقبلة دافئة تطبعها على جبينها؛ كي تبسط بها الفرح، وتمسح ما هو دونه.