14 سبتمبر 2025
تسجيلقبل أيام قليلة، كتبت إحدى المهتمّات بالأدب على صفحتها في الفيس بوك:"كيف تقنع امرأة يأتيها 400 لايك في الدقيقة أنها ليست أفروديت الشعر العربي أو الرواية العربية؟".. وسكّان هذا الحيّ من الشبكة العنكبوتية يدركون أن هذا العدد من المعجبين في وقت قياسي شيء خارق لناموس النت عربياً على الأقل، فصفحات الأدباء المعروفين وحتى الكبار لا تتخطى الألف زائر الذي يلوّح لصاحب النصّ بـ( لايك)، وقياساً إلى المطربين والممثلين ولاعبي الكرة الذين يسكنون هذا الحيّ فإنّ أهل الأدب مساكين "حتّى بيوتهم عليها تراب الذلّ بين الخلائق" فبيوتهم في الحارة الزرقاء أشبه بصوامع، يعزّي بعضهم بعضاً، بتعليقات وآراء لايخفي علوّ شأن أصحابها، أنهم مغمورون في هذا الكوكب الجديد. ولعلّ هذا الاغتراب الذي جاء بعد جفاف الصدى في أوعية التلقي القديمة كالصحافة والمسارح، جعل (اللايك) قطرة الندى التي تبلّ عطش النص وكاتبه واغترابهما في الأرض الجديدة، وجعل كاتبة كذات الــ 400 لايك تبحث عن فريق من المعجبين المتحمّسين، كما كنا نعزم أصحابنا وأبناء القبيلة لحضور أمسية شعرية لنضمن لنصوصنا من يصفق دون أي اعتبار لأثر النص، وقد نشهد بعد قليل ظاهرة (الألتراس الأدبي) كما شهدنا الألتراس الرياضي، حيث يشجع المهووسون فريقاً بعينه، وكأنهم في معبد أو معركة. غير أن الدهشة سرعان ما تزول حين تعرف أن الروائية الكبيرة أو الكاتب الكبير استطاعوا التأقلم في هذا المكان وبات عدد المعجبين لكلّ قصاصة يتعدّى الآلاف، إذا عرفت أن ثمة برامج خاصّة أعدّها (متعيّشون) محترفون في أسواق النت،ليس آخرها شراء برامج يعطي عدداً من (اللايكات) بدءاً من 400 مقابل مائتي دولار تقريباً، حيث (تشتري) مجموعة متابعين أعدّهم شخص واحد، يقومون بوضع علامة إعجاب على كلّ ما تضعه في صفحتك، وبجمع هذا العدد مع العدد الحقيقي الذي لايخلو من التعليقات، تنطلي الخدعة الكبرى، على القرّاء، وعلى الكاتب نفسه. ثمة أقنعة زائفة كثيرة برزت في الآونة الأخيرة، كظاهرة شراء شهادات الدكتوراة من بعض الدول، فتفاجأ صباحاً بدال صغيرة بجانب اسم من لايتقن فكّ الخطّ، ثم ظهرت خدعة المقروئية في مواقع الإنترنت المختلفة، وبات شاعر لا يملك مقومات كتابة قصيدة يحقق مئات القراءات إلى جانب شعراء كبار لاتصل قراءات نصوصهم إلى عُشر ممّا حققت قراءات نصوص صاحبنا. إن الطبيعة الاجتماعية لمواقع التواصل لا تلغي أهميتها في إثراء المشهد الأدبي، ولكنّ آثارها السلبية باتت كثيرة، ولعلّ أبرزها التصفيق الإلكتروني، والشلّلية الجديدة التي غذتها شلليات الحزب والطائفة والإقليم.. ولا ننس المجاملة الأدبية حيث نتعاطف مع أصدقائنا ونستسهل ضغط السهم فوق مشاركات دون قراءتها، فقط لأنها لصديق، الأمر الذي أشار إليه الشاعر الأردني أحمد الخطيب:"عندما أشير لنص ما بــ "لايك" أو أعلّق عليه، فلأنه أصاب مني مكانة شعريةً، وهذه ليست سُلفة أو دين، ليس بالضرورة أن تكون واحدة بواحدة، هذا إلى جميع الأصدقاء الشعراء".