17 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر قطاع الغاز في قطر رائدا على مستوى العالم خصوصا فيما يخص صناعة الغاز الطبيعي المسال فضلا عن الاحتياطي المكتشف. بل يعد ما يحدث لقطاع الغاز في قطر بما في ذلك الإصرار على إبرام اتفاقيات طويلة الأمد مع المشترين الدوليين بمثابة مدرسة للأطراف الإقليمية الأخرى خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي. يعود جانب حيوي من التقدم النوعي للأداء النوعي لقطاع الطاقة على خلفية وصول الإنتاج لمستويات مرتفعة بكل المقاييس. تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر في الوقت الحاضر 77 مليون طن سنويا. لا شك هناك الكثير من المدلولات لهذا الحجم من الإنتاج. فحسب آخر تقرير دوري لإحصاءات الطاقة ومصدره شركة (بريتيش بتروليوم) البريطانية تسيطر قطر على قرابة 35 في المائة من الإنتاج العالمي من هذه السلعة الإستراتجية. وحسب المصدر نفسه تم تسجيل نمو قدره 10 في المائة في تجارة الغاز الطبيعي المسال في العالم في العام 2011. وتبين أن قطر أسهمت بنحو 80 في المائة من حالة النمو التي تم تسجيلها لهذه التجارة خلال الفترة المشار إليها وبالتالي نصيب الأسد. وفي كل الأحوال يعتمد قطاع الغاز في قطر على أرضية صلبة. من نافلة القول تمتلك قطر ثالث أكبر مخزون للغاز الطبيعي على مستوى العالم بعد روسيا وإيران لكن يسجل لقطر نجاحها في استقطاب شركات غربية خصوصا من الولايات المتحدة لتطوير صناعة الغاز عن طريق توظيف أساليب التقنية الحديثة. فاستنادا لتقرير شركة (بريتيش بتروليوم) تبلغ حصة كل من روسيا وإيران وقطر من الغاز الطبيعي المكتشف تحديدا 21.4 و15.9 في المائة و12 في المائة على التوالي. بمعنى آخر يبلغ حجم الاحتياطي القطري المكتشف من الغاز أكثر من 25 تريليون متر مكعب. طبعا يحدث تفاوت لنسب الاحتياطي المكتشف بين الحين والآخر بالنظر لاستمرار ظاهرة الاكتشافات. ومن الأمور غير المشهورة في هذا الصدد مساهمة سلطنة عمان بنسبة أكبر من قطر فيما يخص إنتاج الغاز بشكل عام. فحسب المصدر البريطاني استحوذت عمان على نحو 4.5 في المائة من الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي في العام 2011 مقابل نحو 3 في المائة لقطر خلال الفترة نفسها. لكن التميز القطري مصدره التركيز على إنتاج منتج يتمتع بطلب عالمي. حقيقة القول تحتل قطر المرتبة الأولى على مستوى العالم بالنسبة لتصدير الغاز الطبيعي المسال تماما كما هو الحال مع السعودية بالنسبة لتصدير النفط الخام. وقد نجحت قطر في أخذ مكان الصدارة من إندونيسيا قبل فترة بل وعززت من صدارتها في السنوات القليلة الماضية. ومن الأمور الأخرى اللافتة وجود تنوع نوعي لزبائن الغاز القطري بحيث تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا والهند وكورية الجنوبية فضلا عن اليابان. وطالما تم ذكر اليابان فقد كانت لبلاد الشمس المشرقة السبق في إبرام اتفاقيات لتوريد الغاز الطبيعي المسال من قطر. والإشارة هنا إلى توقيع شركة (قطر غاز) أول اتفاقية في العام 1992 مع شركة (جوبو إليكتريك باور كومبني) لاستيراد الغاز الطبيعي المسال. وفعلا ذهبت أول شحنة من المنتج إلى الشركة اليابانية في 1997 وهي الشحنة التي دشنت دخول الاقتصاد القطري مرحلة جديدة من النمو والتطور. وحديثا فقط قامت الشركة نفسها بإبرام عقد جدي لاستيراد 15 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال لمدة 15 سنة بدءا من العام 2013. واستمرارا لنهج العقود طويلة الأمد فقد وقعت شركة (قطر غاز) اتفاقية أخرى مع شركة (كانساي إليكتريك باور كومبني) لتوريد 500 ألف طن سنويا ولمدة 15 سنة. المعروف أن منطقة (كانساي) تشمل مدينة (أوساكا) ثاني أشهر المدن اليابانية بعد العاصمة. ويعتقد أن عدد الزبائن اليابانيين للغاز القطري في الوقت الحاضر يفوق 30 جهة مختلفة. وتشمل هذه الأطراف شركات ضخمة من قبيل (طوكيو إليكتريك باور كومبني) والتي تلعب دورا محوريا في توفير الطاقة في العاصمة. وتفسر الاتفاقيات التجارية المختلفة بشكل جزئي على أقل تقدير ظاهرة تنامي الميزان التجاري بين البلدين. فحسب أرقام مصدرها (بنك الدوحة) ارتفع حجم الميزان التجاري بين البلدين من 18 مليار دولار في العام 2009 إلى 31 مليار دولار في 2011 ما يعد تطورا نوعيا. تعتبر اليابان من أهم الشركاء التجاريين بالنسبة لقطر والشكر مؤكداً موصول لقطاع الطاقة. كما أسلفنا تتميز قطر بإبرام اتفاقيات طويلة الأمد نسبيا لتوريد الغاز ربما لضمان تحقق الاستدامة في العملية الإنتاجية وهي مسألة جديرة. وحتى الماضي القريب اشتهرت الاتفاقيات بامتدادها لقرابة 25 سنة لكن لوحظ تراجع المدة لما بين 10 سنوات و15 سنة نزولا عند رغبة المشترين من جهة وتقديرا لديناميكية السوق من جهة أخرى. أيضا اشتهرت قطر بربط تسعيرة الغاز الطبيعي المسال بآلية مرتبطة بأسعار النفط الخام في الأسواق الدولية. وربما لا تخدم هكذا معادلة مصلحة بعض الأطراف المستوردة حيث تشتهر أسعار الغاز بأنها أقل من النفط الخام. لكن لا ينطبق هذا بالضرورة على بعض الموردين بمن فيهم اليابانيين والذين يعتبرون ضمان حصولهم على المنتج وبآلية واضحة جوهر المسألة. حديثا نبهت رسائل مختلفة منها تقارير دولية بعدم اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام طبعا مع استثناءات مهمة مثل قطر فضلا عن عمان بالقدر الكافي لتطوير قطاع الغاز. وتم ربط الأمر جزئيا بقدرة الدول على الاستفادة من بقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة ما يعني عدم اعتبار وجود الحاجة لتطوير قطاع الغاز. ختاما يمكن الزعم بكل أريحية بأن ما يحدث بالنسبة لقطاع الغاز خصوصا صناعة الغاز الطبيعي المسال في قطر قصة نجاح تستحق الدارسة والتقليد.