14 سبتمبر 2025
تسجيلمر على صاحبه دون أن يراه، فقام إليه الأخير مناوشا وما ترك كلمة في قاموس البذاءة إلا ألقاها في وجهه، وصاحبه يقول له: والله ما رأيتك. وهو يجيب : وما دمت قد رأيتني فلم لم تسلم علي؟! الأول يقول: ما رأيت. والأخير يسمعها على نقيض ما قالها! واحتدم النقاش بينهما حتى آل الأمر إلى عداوة بعد صحبة، وفرقة بعد محبة، وقطيعة بعد صلة! تعجبت كيف يصل سوء الظن بالأخ المسلم إلى أن يصم أذنه عن سماع الحقيقة، بل وتجاوز ذلك حتى يسمع الحق باطلا والباطل حقا .قلت في نفسي: ماذا لو أحسن الأخ ظنه بأخيه! ماذا لو اختلق له عذرا، ماذا لو رحل إليه متسائلا: لعلك لم تلحظ وجودي فلم تسلم علي، هل كان سيؤول الأمر إلى تلك المشاحنة والقطيعة. تذكرت ما كان بين الإمام الشافعي رحمه الله حين أتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى الله ضعفك، فقال الشافعي: لو قوي ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.ولله در من قال :إذَا مَا بَدَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَك زَلَّةٌ ... فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالًا لِزَلَّتِهِ عُذْرَاأُحِبُّ الْفَتَى يَنْفِي الْفَوَاحِشَ سَمْعُهُ ... كَأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَقْرَاسَلِيمُ دَوَاعِي الصَّبْرِ لَا بَاسِطٌ أَذًى ... وَلَا مَانِعٌ خَيْرًا وَلَا قَائِلٌ هَجْرَاإن إحسان الظن بالناس راحة للنفس من كل أذى، ودليل واضح على صحة السلوك الإنساني فضلا عن الإيماني، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد.ولا يزال الرجل يرتقي في أخلاقه ما التمس العذر لغيره مهما أجهده ذلك، حتى لو اختلق له عذرا يستريح به من هم معاداته، يقول ابن سيرين رحمه الله: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه"