15 سبتمبر 2025
تسجيلأواخر القرن الثامن عشر اندلعت الثورة الفرنسية، وتحديدا في العام 1789، خرج فولتير وعشرات الآلاف من الفرنسيين إلى مختلف الشوارع، وأخذوا يهتفون باسم الشعب، ويطالبون بسقوط لويس السادس عشر وحلقات الفساد من حوله. كانت أجواء باريس مشتعلة، وكاد قلب ماري أنطوانيت أن يتوقف من شدة الرعب وهي تلمح الحشود أسفل شرفة قصرها، سألت خادمها الأمين: ماذا يريدون؟!، هز الخادم رأسه عدة مرات، ثم نظر إلى الأرض، وقال: يريدون الخبز، ولا يجدونه. تعجبت ماري أنطوانيت، وبكت، ثم قالت: ليأكلوا البسكويت، الكنافة، فمذاق الحلوى ألذ من الخبز، أليس كذلك؟! لم ينطق الخادم بحرف، بكى ألما، وهو ينظر بغلّ إلى الملكة، التي كانت تعيش في برجها العاجي حتى بعد أن "سقط الفأس بالرأس".وهنا دخل الشرفة الملك الفرنسي لويس السادس عشر، يرافقه الجنرال غورو وزير الدفاع، وأخذا يتأملان الحشود بذعر لا يقل عن ذعر ماري أنطوانيت. بعد صمت استغرق دقائق، قال الجنرال غورو: حان الوقت، يجب أن ترحل يا لويس! قال لويس السادس عشر غاضبا: أيها الأحمق أنا أحميكم بوجودي هنا! ..فأجابه الجنرال بصرامة وشدة: انتهت صلاحيتك. في العام 1790، وجد فولتير، الشاعر والفيلسوف الفرنسي نفسه على العرش فجأة، كان رئيسا مكبلا بقيود لا مرئية، ما كانت لديه الخبرة، ولا القوة لإدارة بلاد بحجم فرنسا، وفي الوقت نفسه بث غورو رجاله في الشوارع والأزقة يشجعون الناس على التمرد ضد فولتير، بل ضد الثورة برمتها، لاحقا في ذلك العام المشؤوم، تم إعدام لويس السادس عشر، ثم لحق به فولتير، وتم تعيين غورو رئيسا لفرنسا. في العام 1792، أخذ الجنرال غورو يدير البلد ببطش وإرهاب، وعملت المقاصل كما لم تعمل من قبل، وسالت الدماء أنهارا، وعم الخراب أرجاء البلاد، وشيئا فشيئا تراجع الاقتصاد، وزاد التضخم، وارتفعت الأسعار وقلت الأعمال، وكلما حرك أحد رأسه كي يتكلم أو يصرخ، ظهر فجأة من يقطع له رأسه. جلس ميشيل، وحبيبته آن على حافة نهر السين الذي كان ملوثا بالدماء والقاذورات، وأخذا يتبادلان ما شاءا من كلمات الحب والغرام، قبل أن يعودا لرشدهما، فقد ظهر عسكري بالجوار. قال ميشيل هامسا: انظري إليه، إنه ممتقع الوجه، أكله الهزال مثلنا، يا له من جندي بائس! ، يعمل ليل نهار في مصنع "الباستا" دون أن يأكل منه! في العام 1793، بدأ غورو يحفر نفق المانش ليربط أوروبا ببعضها، ويدعم حركة التجارة، لكنه نسي أن التجارة معدومة أصلا، والقحط قد انتشر، والزراعة قد تم تدميرها عبر عقود من الفساد، والصناعة كانت مجرد حلم وخيال، بل إن غورو كان يبيع المواد الخام لبريطانيا العدوة بسعر أقل من سعر السوق! في العام 1795، بدأ الصراع على الطعام، في البداية، اشتد الصراع مع الحيوانات الضالة، كان يتم أكلها، أو منافستها في البحث بالنفايات، بعد ذلك تطور الأمر، حيث تشكلت عصابات متخصصة في سرقة الغذاء والدواء، بدأت الناس تعاني، وتجأر بالصراخ، وبدأ غورو من جديد بقطع الرؤوس. في العام 1796، ظهر الجنرال سيمون على الملأ، وقف في سوق العطارين، راكبا بغلة، وقال: لقد اكتشفنا علاجا للموت، نأخذ مخ أحد المتوفين، ونصنع منه شطيرة، ثم نطعمه للمريض، فيشفى باسم المسيح!! في العام 1797، ظهر الجنرال بيير وقال: إن فرنسا اخترعت جهازا ينقلك من باريس إلى واشنطن بغمضة عين، هو أسرع بكثير من بساط الريح، وأن التجارب جارية عليه، وقريبا سيسهم الجهاز في دعم التجارة والسياحة حول العالم.تعلم آن، وكذلك حبيبها ميشيل، أن فرنسا بلد الاختراعات، ويعلمان أيضا أنه في ذلك الوقت كان العالم يعاني الجهل والأمية، وما كانت الكهرباء قد اخترعت بعد، ولم يكن العالم قد شاهد السيارة أو الطيارة، لكن فرنسا قادرة على أن تشفي مواطنيها "بسندوتش مخ"، وتنقلهم من باريس لواشنطن بغمضة عين، "مش كدة حضرتك".في العام 1800، خاطب الجنرال غورو قومه وقال: فرنسا أصلا مش دولة، وشعبها تعبان، وأنا حبيبكم، وأبوكم، اسمعوا كلامي، ودعوكم من غيري! في العام 1801، تجمعت سحب الفقر، والجوع، والغضب، وأمطرت حشودا بالشوارع، تجاوزت الملايين من الناس، من بينهم ميشيل وآن، كانوا يطالبون بالحرية، والكرامة، والخبز، أيام لويس السادس عشر، لكنهم الآن صاروا يطالبون بإسكات جوع أمعائهم، والقضاء على الجريمة، وهذا ما يعرفه التاريخ باسم "ثورة الجياع"، فلعل البعض يتعظ!