15 سبتمبر 2025

تسجيل

المالُ عبدٌ جيدٌ وسيدٌ رديءٌُ

21 سبتمبر 2011

أحد زينتي الحياة الدنيا كما أخبر القرآن في قوله: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لكن أصناف الناس في التعامل معه تختلف، فمن جاعل المال عبدا له يسيره حيث أراد الله ورسوله، يتقي الله فيه ويعلم لله فيه حقه، ومن جاعل المال سيدا له يأتمر بأمره وينتهي بنهيه، والنبي صلى الله عليه وسلم بين في حديثه الشريف الماتع الذي رواه الترمذي وأحمد من حديث أبي كبشة الأنماري أقسام الناس عند المال ودرجة كل قسم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم {ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ}. أحببت أن استعرض حال الناس مع المال في هذا الحديث الشريف، الذي بدأه النبي صلى الله عليه وسلم بسياق مختلف عن أحاديثه، حين بدأ بالقسم على ما يخبر به، وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن هوى نفسه صلى الله عليه وسلم، وذلك لجلل ما سيأتي من أمور، ولاعتقاد الناس فيها اعتقادات متباينة، والثلاثة المقسم عليها كلها تتعلق بالمال: أما الأول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وهذا القول أول ما يصرف إلى الأغنياء ولا يستثنى الفقير من ذلك، وربط العبد بالرزاق منهج قرآني والله قد ضمن الرزق في الأزل بل وأقسم عليه قال جل شأنه: { وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، وهذا ما يجعل أهل الإيمان يطمئنون إلى ما عند الله ولا يجزعون عند المصائب بل سعادتهم بالإنفاق سعادة أهل الدنيا بجلب المال لهم وزيادة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم أن ما أنفقه الرجل في حياته هو ما ذهب واندثر وما أنفقه لله هو ما بقي أثره ووجده عند لقائه بربه. ففي الصحيح من حديث ابن مسعود رضي اللـه عنه قال: قال: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله)؟ قالوا: يا رسول اللـه ما منا أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه، قال: (فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر). والقصة الأشهر للشاة بينة الوضوح، حين قال لأم المؤمنين عائشة وقد تصدقت بالشاة كلها إلا الذراع: ما بقي من الشاة يا عائشة قالت: ذهبت كلها وبقي الذراع فقال صلى الله عليه وسلم: بل بقيت كلها ومضى الذراع"، وعندما حدثته أسماء رضي الله عنها عن اقتصادها في النفقة والمعيشة فقالت: يا رسول الله، ليس في بيتي شيء إلا ما أدخل على الزبير، فهل علي جناح أن أرضخ (أعطي قليلاً) مما أدخل علي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ارضخي ما استطعت، ولا توكي فيوكي الله عليك) أي لا تبخلي ولا تمنعي عطاء الله للفقير. تلك أول الأمور التي أقسم عليها النبي ولعلنا في اللقاء القادم بإذن الله نستعرض البقية.